نعرف أن لدينا قتلى كل يوم . ونعرف أيضا أن ثلاجات الموتى باتت أرحم منّا بجثث موتانا المتكاثرين ، ونعرف أيضا أن عندنا كم مليون قطعة سلاح في أيادي الناس، ونعرف أن عندنا أسواق لبيع السلاح، ولا نعرف أبدا أن لدينا في اليمن مثلا فرقة موسيقية مثابرة تغني "راب". أعرف أن الأمر سيبدو مضحكا، وقد يبدو تافها لدى الكثيرين، إذ ستسمعهم يقولون "ياذا احنا بموه وأنت بموه!". ولكنني في حقيقة الأمر أبدو مبسوطا جدا وأنا أكتب الآن عن ثلة من الشباب الذين بوسعهم أن يقولوا للعالم: اليمن البائس ، فيها أيضا قلوب تحب الحياة. وفيها طاقات تحترم الحياة ، وهذا هو شأن الفنان الشاب "أحمد شيخ" وفرقته الموسيقية في عدن. وهو أيضا شأن الشاب "أحمد عسيري" وفرقته الشابة المتناثرة مابين عدن وصنعاء بعد أن تركها وغادر إلى السودان . أحمد شيخ .. واحد من قلائل الناس الذين سيجعلونك تحب كلمة "شيخ". هو شيخ بفنه، وبرؤيته الجميلة للحياة . يغني "الراب" وله ألبومات مخبأة في الأدراج ، يوما ما – بالتأكيد – ستجد النور. لديه أغاني راب قمة في الروعة ، يكتب كلماتها بنفسه، يضع ألحانها بنفسه، يغنيها بصوته، ولديه فريق من الفنانين الشباب كل واحد منهم يعد – لوحده - ثروة فنية، مابالكم وهم مجتمعين. أدرك تماما أن محافظ عدن يعرف جيداً أسماء كل بلاطجة عدن، وأسماء كل انتحاريي عدن، وكل انتهازيي عدن، ولابد أنه يفكر – دائما - بطريقة أو بأخرى كيف يمكن أن يكسبهم لصفه، على الأقل عشان يهجع من فعائلهم المؤذية للحياة وللمجتمع ، لكنه – بالتأكيد – لا يعرف شيئاً عن " أحمد شيخ " ورفاقه. وحتى لو عرف عنهم ، فإنه سيتجنب السير من أمامهم ، أو في أسوأ الأحوال سيمر من أمامهم دون أن يلقي على أحدهم التحية. وأما إذا تكرم واستقبلهم في مكتبه، فإنهم سيكونون آخر الضيوف الذين سيستمع إليهم، هذا إن لم يخبر مدير مكتبه: قل لهم المحافظ مشغول! هذا ليس شأن محافظ عدن لوحدة فقط ، بل هو شأن غالبية مسئولي البلد، ذلك لأنهم جميعا مسئولون بلا ذائقة من أساسه.. ولو كان عند أحد من هؤلاء ذائقة ، أو إحساس ، لما أصبحت الفنون في هذا البلد على هذا النحو من الموات، على أن أنبل مسئولي هذا البلد هم أولئك الذين يقتربون من إبداعات الشباب، وكم كان " الشعيبي" أنيقا لأنه فعل ذلك بحب، وكسب – حتى اللحظة – حب وتقدير الناس. لا بأس، سيذهب محافظ عدن رشيد ، ويأتي غيره . وسيذهب ويأتي غيره ..وغيره .. وغيره . كلهم سيذهبون ، لكن تجربة "الراب" ل "أحمد شيخ" ول "أحمد عسيري" وموسيقاهم الراقية هي التي ستبقى . الفن يتكسر أحيانا، لكنه لا يموت. ورفاقهم أحمد شيخ في الراب أحمد شيخ ورفاقه وحده هو الذي سيبقى.