بالنسبة لكل الذين ولدوا -مثلي- في النصف الثاني من السبعينيات (تحديدا كل مواليد السبعينيات والثمانينيات) كانت تلك أيام وسنوات جميلة.. أيام وسنوات بلا هموم كبيرة وبلا عقد. ليس لأننا كنا صغار سن فحسب.. بل لأن أحلامنا كانت كبيرة.. والشخوص الذين كانوا يتقدمون صف الحكم -في الجنوب والشمال– آنذاك كانوا كباراً وأحلامهم كبيرة.. وكانوا يعرفون جيدا أن إنسانا بلا "بهجة" يعني إنساناً بلا طاقة وبلا أمل وبلا روح. قلة هم الذين يتذكرون المنولوجست اليمني العظيم فؤاد الشريف. هذا واحد -فقط- من بهجة أيام الكبار.. أيام الأحلام الكبيرة. ابحثوا في اليوتيوب عن منولوجات البهيج فؤاد الشريف. خذوا مثلا منولوج "مالك كذا تنهف" أو "يا محترم عيب البصوص" ولن تجدو خلف ذاك الإبداع البهيج فنانا خفيف الظل فحسب، بل ستجدون نساء ورجالاً وموسيقى ومجتمعاً واعداً بالحياة. كنا كذلك فعلا. الأمر- طبعا- لا يقتصر على عدن فحسب، حتى في صنعاء كانت الفرقة الموسيقية الوطنية حشدا من النساء والرجال والطاقات والآلات الموسيقية. وكانت الحياة ترقص على قلب عصفور كبير. الآن، وكلما شاهدت أغنية أو منولوجاً لفرقة موسيقية جنوبية أو شمالية أتساءل بأسى: هل ستعود تلك الأيام الكبيرة؟ أخشى من إجابة (لا) ذلك -فقط- لأن كراسي مقدمة صفوة الحكم أصبحت مزحومة بالصغار...! هل ستعود أيام المرح والبساطة تلك؟ وكيف يمكنها أن تعود؟ سأكرر في ثلاثة أسطر فقط خاتمة مقالي بالأمس وأقول بأن (المنظومة القبلية والدينية تمكنت خلال 33 سنة فائتة من حكم هذا البلد من دك كل حصون الفكر والثقافة والفن والجمال، وقايضتها –جهرة- بثلة من المشايخ وتنابلة فرق الجهاد، والنتيجة ما نلاحظه -الآن- من تفجيرات وتقطع ولوث جعل حياتنا كعصف مأكول ...!). ولكن لا بأس، لقد حدث ما حدث، والآن: كيف يمكننا كمثقفين ومدنيين ورؤوس أموال منفتحة على الحياة أن نعمل –جميعا- على استعادة نفسية اليمني؟ وعلى إقناع أولئك الجالسين في صفوف الأمام بأن الوعي المجتمعي –عبر التاريخ كله- مرتبط أساسا بالفنون، مش بالبراقع والنصع؟!. هل تسمعني يا فخامة الرئيس منصور؟ هل تسمعني يا معالي وزير الثقافة؟ يا رب يسمعوا، ما لم الله يسمِّع بهم زيما هم قابلين أن تظل سمعة اليمن على هذا النحو المدمر والمخيف، وسقى الله أيام الكبار. [email protected]