ذات يوم استسلم عمنا محمد سالم باسندوة للبكاء .. فقط لأنه شاهد العاصمة القطرية نظيفة من القمامة.. ولا أخفيكم سراً أن المشهد في البداية أطربني ليس بسبب علّة في نفسي لها توصيفها عند علماء النفس وإنما لأننا نحتاج بالفعل إلى حكومة تبكي فيكون البكاء حافزاً لتلمس أوجاع الناس.. غير أن رئيس الحكومة بعد أن بكى ثم قال أنا رجل بكاء لم يعد يبكي خاصة عندما شهدت الساحة اليمنية جرائم مؤسفة ذهب ضحيتها أبرياء يستحقون إبقاء حنفية البكاء عند ذات المعدل. قد يقول بعضكم .. ما الذي يريده الإعلاميون فإذا بكى رئيس الحكومة انتقدوه وإذا توقف عن البكاء انتقدوه.. والحقيقة أننا نحتاج إلى رجال دولة يبكون لرؤية ضحايا إرهاب أو مواجهات أو فقر أو مرض.. لكن على دموعهم أن تتحول إما إلى قوة دفع رباعية تجفف دموع المقهورين أو حافزاً لمغادرة المناصب إعلاناً للفشل الذي ليس له من حل غير الرحيل تفاعلاً مع الدعوات الشعبية التي تردد مع محمد عبدالوهاب: أسألك الرحيلا.. في البلدان التي يدير حكوماتها مسئولون "أحياء" لا يلصق المسئول قفاه بصمغ الأمير وإنما يضع نفسه تحت المجهر .. لا يكتفي بالاستقالة وأحياناً الانتحار لأنه صار في موقع التهمة التي تطال منصبه بل ويقوم بالاستقالة لأن أخطاء قام بها آخرون يعملون تحت مسؤوليته فتسببوا في غرق عبّارة أو انقلاب قطار أو إهمال تسبب في وباء أصاب عمالاً في مصنع أو تلاميذ في فصول دراسية.. ومن يتأمل في معاني هذا التكاثر في أعداد المتسولين الذين تضيق بهم الأرصفة وإشارات المرور ومساجد الله لابد وأن يسأل نفسه أليس هناك من مسؤولين عن تنامي هذه الظاهرة التي تجاوزت الحدود إلى مدن جوار ضاقت بمتسولين محسوبين على بلد الحكمة وأرض السعيدة واليمن الأخضر وبلاد السّد..؟ لا أحد من المسؤولين ورجال الفكر أو الوجاهة يشغل نفسه بالتفاعل مع أوجاع المجتمع ثم الحزن والبكاء في الطريق لعمل شيء.. أي شيء ..ولو على طريقة الراهب الياباني "ميكاو يوشي" الذي توجّه إلى زاوية للمتسولين بهدف معالجتهم من داء التسول ولا أقول من ظروفهم القاهرة كما يحدث في اليمن. لقد زادت رقعة المتسولين اليمنيين حتى صار التسول عندنا فنون وجنون أحياناً خاصة عندما يتحوّل إلى ابتزاز لمن يأكل أو يركب سيارة فيتفاجأ بمن يخبط بقوة على الفريم.. وفي التفاصيل ما يطرح السؤال إذا لم يكن للحكومة دور في تخفيض أعداد المتسولين فعلى الأقل لتكن منصفة وتمارس رياضة البكاء أمام الجوعى والمرضى والضحايا بذات بكائها لأن عاصمة الغاز نظيفة فيما لم تعد صنعاء تحوي كل فن. مهم جداً اختيار الزمان والمكان حتى في البكاء.