سنصل إلى السلطة حتماً: إما بالانقلاب كما حدث في السودان، أو بالديمقراطية كما حدث في الجزائر، أو بالجهاد كما حدث في أفغانستان.. ويمكن إضافة: وإما بالانفصال كما حدث في غزة، أو بالناتو كما حدث في ليبيا، أو بالثورة كما حدث في مصر وتونس.. للتو، كان الترابي خارجاً من انقلاب عسكري ناجح، قالوا عنه يومها: إن الطبيعة ذاتها انقلبت استجابةً له، فأصبحت السودان بين يوم وليلة جنة زاخرة بالنعيم حتى أن أسماك البحر الأحمر هاجرت من سواحله الشرقية إلى سواحل السودان ليصطادها السودانيون في ظل النظام الإسلامي الجديد بزعامة الترابي والبشير..!! أما ما حدث، فكما نعرف، وكما كان متوقعاً، نجح الإخوان في الوصول إلى السلطة، وفشلوا في إدارتها، تعثرت التنمية واندثرت الحريات والحقوق، وتمزقت البلاد جغرافيا ووطنياً، وأصبحت أقصى أحلام المواطن السوداني الهجرة عن وطن صار أشبه بالجحيم ..! تجربة الإخوان في السودان هي - حسب وجهة نظري- أنجح تجاربهم على الإطلاق، ليس بسبب برامجهم، بل بسبب الخروج عنها، فرغم كل شيء كان في الانقلاب رجال دولة، يمتلكون الرؤية وحس المسئولية.. وسرعان ما شبوا عن طوق الجماعة لتتحجم على أيديهم.. الرئيس البشير الذي ترأس البلاد من يومها حتى الآن، كان أهم هؤلاء، ومهما قيل عنه، لا يمكن القول أنه كان بلا رؤية ولا شخصية، فعلى عكس الرئيس مرسي، الشخصية العسكرية القوية للبشير مكنته من فرض رؤيته وقراره على الجماعة، والمفاصلة التدريجية معها، ووضع حدٍّ للمغامرة الإخوانية التطهيرية التي كان يمكن أن تزج بالبلاد إلى سيناريوهات أكثر رعبا وعبثية. انتهى المطاف بالترابي في السجن خارج السلطة، ولا أعتقد أنه وضع في مقابل الطرق التي تؤدي بالإسلاميين إلى السلطة تفصيلاً بطرق مغادرتهم لها: إما بالانشقاق كما حدث في السودان، وإما بالانقلاب كما حدث في الجزائر، أو بالناتو كما حدث في أفغانستان، أو بالثورة كما حدث في مصر، أو بالديمقراطية كما سيحدث في كل مكان.!