اشتدت وتيرة الأزمة السياسية أمس، ملوحة بنذر مواجهات في عاصمة يسكنها ثلاثة ملايين شخص. إعلان اللجنة الرئاسية بانسداد المفاوضات مع عبدالملك الحوثي بعد الاتفاق على مسودة لإنهاء التوتر، أعاد شبح الخوف مجدداً، فيما شهدت الأزمة حالة شد من الطرفين، تجسدت في التحشيد والاستقطاب المتبادل واستعدادات لتهيئة الوضع لصراع مسلح. وفي جو من تبادل التهم بمسئولية إفشال المفاوضات، كشف أنصار الله (الحوثيون) أن زعيم الجماعة أرسل إلى رئيس الجمهورية أمس، مقترحات جديدة للحل تتضمن حل ملف الجرعة، وتشكيل حكومة جديدة وتنفيذ مخرجات الحوار. الرسالة سلمها شخصياً عضو المكتب السياسي لأنصار الله (الحوثيين) علي البخيتي، مؤكداً من جهته أن الرسالة تحمل رؤية شاملة. وقال البخيتي في اتصال أجرته معه "اليمن اليوم" إن عبدالملك الحوثي فضل مخاطبة رئيس الجمهورية مباشرة، بعد أن توصل إلى قناعة بأنه لا طائل من المفاوضات مع الوفد أو اللجنة الرئاسية؛ كونها لا تملك صلاحيات اتخاذ القرار في ما يتم التفاوض بشأنه. وأوضح أنه سلم هذه الرؤية للرئيس بناءً على تكليف له من عبدالملك الحوثي، رافضاً الإفصاح عن التفاصيل، لكنه قال إن أهمها ضرورة إسقاط الحكومة الحالية التي ثبت فشلها وبان فسادها، ووضع حل للجرعة بحيث لا يتحمل المواطن عبء الفساد الحكومي خلال الثلاث السنوات الماضية، والشروع الفوري في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني. ولفت إلى أنه كان مقرراً إيصال الرسالة للرئيس عبر رئيس اللجنة الدكتور أحمد عبيد بن دغر وتم الاتفاق معه على ذلك، لكن اللجنة غادرت صعدة قبل أن تتسلم الرسالة. ونفى البحيتي صحة ما ورد في تصريحات الناطق باسم اللجنة الدكتور عبدالملك المخلافي التي حمل خلالها الحوثيين المسئولية عن فشل المفاوضات، متهماً إياهم بأنهم كانوا متعنتين. وقال البخيتي محملاً اللجنة كامل المسئولية: "لو كان لدى هذه اللجنة كافة الصلاحيات لاتخاذ القرار لتم الاتفاق معها في حينه". وأضاف: "كنا لما نتحدث حول المواضيع المتعلقة بالمطالب الشعبية وخصوصاً قرار الجرعة، تقول اللجنة إنها لا تملك الصلاحيات، وأنه تم وضع خطوط حمراء على هذه النقطة بالذات، وأنها لا تستطيع تجاوزها". وتبادلت اللجنة الرئاسية والحوثيون، أمس، الاتهامات بشأن فشل مساعي التوصل إلى اتفاق يبدد المخاوف من تفجر حرب في صنعاء. وقال الناطق الرسمي باسم اللجنة الرئاسية، عبد الملك المخلافي، إن أعضاء اللجنة وصلوا، ظهرا، إلى صنعاء وعقدوا لقاء مع رئيس الجمهورية لإطلاعه على تطورات الوضع، مشيرا إلى أن "أنصار الله" رفضوا كافة الحلول والمقترحات التي قدمتها اللجنة لحل القضايا العالقة. وأشار المخلافي إلى أن اللجنة سوف تطلع الرأي العام على ماتم الاتفاق عليه، مشيرا إلى أن كافة جهود اللجنة قوبلت ب"الرفض والتعنت والإصرار على تجاهل الواقع". ميدانياً، شهدت العاصمة مسيرتين جماهيريتين، الأولى في شارع المطار نظمتها جماعة أنصار الله، فيما شهد شارع الزبيري مسيرة نظمتها جماعة الإخوان بالتعاون مع الحكومة. وبموازاة التحشيد الجماهيري، عاشت العاصمة أمس جواً من التحشيد العسكري، حيث أعلن عن تأهب عسكري في صفوف الجيش والأمن، وانتشرت الآليات العسكرية، فيما حشد الحوثيون المئات من المسلحين على مشارف العاصمة. وقالت مصادر محلية في همدان ل"اليمن اليوم" إن القائد العسكري لجماعة الحوثي، أبو علي الحاكم، وصل أمس إلى مخيم اعتصام لجماعته في بيت نعم، برفقة أكثر من 400 شخص، قالت مصادر أمنية إنهم مقاتلون. وحذر خبير عسكري من خطورة اعتصامات الحوثيين المحيطة بالعاصمة. وقال ل"اليمن اليوم" -رافضاً الإشارة إلى اسمه- إن مخيمات الحوثيين تم وضعها على ما يبدو، من قبل خبراء عسكريين، وأنه تم اختيار المناطق بعناية، بحيث يضمن فرض حصار على المعسكرات وعزلها عما قد يجري داخل العاصمة. إلى ذلك أفاد "اليمن اليوم" مصدر رفيع في رئاسة الجمهورية أن جهات حزبية ونافذين عسكريين وقبليين كثفوا ضغوطاتهم أمس على رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، والدفع به لتفجير الموقف وإعلان الحرب الشاملة على الحوثيين، إلا أن الرئيس لا يزال يؤمل كثيراً في الحلول السلمية، وأن الحرب قد تنسف مخرجات الحوار، فضلاً عن أنها –الحرب- غير محمودة العواقب. وفي سياق الأوراق التي يتم اللعب بها على أعلى المستويات، كثفت عناصر تنظيم القاعدة من استعداداتها في محافظات (حضرموت، أبين، شبوة، البيضاء، لحج، ومأرب) وفق ما أفادت به "اليمن اليوم" مصادر أمنية مسئولة، وأكدت المصادر في حضرموت أن القاعدة هناك استملت أمس شحنة أسلحة عبر بحر العرب، قادمة من القرن الأفريقي وهي الشحنة الثالثة خلال شهر. وكان العشرات من مسلحي القاعدة، بينهم قيادات أبرزها جلال بلعيد، عادت إلى معاقلها السابقة في أبينوشبوة، بعد 4 أشهر قضتها في حضرموتوالبيضاءومأرب ومناطق أخرى، بفعل الحملة العسكرية والأمنية المشتركة في أبينوشبوة، مايو الماضي. وقالت المصادر إن الاستخبارات رصدت، ابتداء من الخميس الماضي، تحركات وتنقلات مكثفة لعناصر القاعدة، وعزت الأجهزة الأمنية عودة بلعيد إلى المحفد أبين، بأنها تأتي في إطار المستجدات في صنعاء، وأن القاعدة تتحين انفجار الموقف في العاصمة لاستعادة السيطرة على المعاقل المفقودة في أبينوشبوة، وإسقاط محافظات أخرى أيضاً، أهمها حضرموتوالبيضاء، وربما مأربولحج. ويخشى المراقبون من أن هذه التحركات للقاعدة تتم بمساندة من قبل جهات سياسية وعسكرية وقبلية نافذة، للضغط على رئيس الجمهورية والمجتمع الدولي رعاة المبادرة الخليجية على خلفية الموقف من جماعة الحوثي. من جهته، أعاب الحزب الاشتراكي اليمني على اللجنة الرئاسية إعلانها فشل المفاوضات، بتلك الطريقة، محذراً من الانزلاق إلى ما لا يحمد عقباه. وقال الاشتراكي في بيان صادر عنه مساء أمس: "إن اللحظات، التي أعقبت مغادرة اللجنة محافظة صعدة ، بما رافقها من تسريبات إخبارية تشيع اليأس وتعطي الانطباع بإغلاق أبواب التفاهم، كانت لحظات امتلأت فيها الأجواء بنذر مواجهات خطيرة وأحاديث عن الحرب، وهو أمر يبعث على القلق والريبة في نفس الوقت، وكأن اليمنيين لم يكتووا بنار الحروب حتى نجد في وسطهم من يروج لها على ذلك النحو . إن المسئولية تفرض علينا جميعا أن نواصل تطويق هذه الأوضاع واحتواء تداعياتها من خلال التأكيد على أن الطريق الوحيد للخروج من هذا الوضع هو المزيد من التفاوض والتفاهم والبحث عن مخارج بصبر، ولمثل هذا التفاوض شروطه التي يصبح معها الوقت ملحقا بالمهمة التي يراد تحقيقها، فاللجنة مكلفة بالتفاوض والتفاهم وليس بحمل رسالة فقط، وكان من الضروري أن لا تشيع خبر فشل التفاهم بتلك الصورة التي قطعت فيها الفرصة على المزيد من التفاوض والتفاهم، وأن تعود إلى من فوضها لتطرح رأي الطرف الآخر. كما أن الطرف الآخر يتحمل هو أيضا مسئولية التسريبات بعدم الموافقة على مطالب اللجنة والذي بدا وكأنه يحث أنصاره على التصعيد ويبرر لهم ذلك." ووضع الاشتراكي في هذا الصدد مقترحاً من 6 بنود: 1- استمرار عمل اللجنة، ومواصلة النقاش حول القضايا المثارة، وأن لا يعلن عن فشل التفاهم، ووقف حملات التصعيد بكافة أشكالها. 2- يرفض الحزب استخدام القوة أو التلويح بها من قبل أي قوة سياسية أو مجتمعية وذلك لتحقيق المطالب السياسية على أي صورة كانت. 3- تحقيق الشراكة السياسية في كل هيئات الدولة، خاصة الحكومة ومجلس الشورى والهيئات السياسية المعنية بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، ووضع الترتيبات المناسبة لاستكمال بناء الدولة . 4- التفاوض الجاد والمسئول يجب أن تهيأ له شروط التهدئة، بوقف التصعيد السياسي والجماهيري والإعلامي، ووقف الضغوط أيا كان شكلها أو مصدرها، ويجب بهذا الصدد من رفع كل مظاهر التهديد والقوة من العاصمة ومحيطها. 5- تخفيف المعاناة عن الشعب مسئولية مشتركة، ولا بد من تحقيق ذلك بوسائل لا يفهم منها إلا أنها تهدف إلى تحقيق هذا الغرض، وهناك مقترحات تقدمت بها كثير من الأطراف يجب أن يتم تدارسها، من منطلق تخفيف المعاناة، على أن يقوم بذلك فريق اقتصادي تمثل فيه كافة الأطراف. 6. في هذه الهيئات، بما فيها حكومة الوحدة الوطنية، يتم تدارس كافة قضايا الخلاف الأخرى، بما يؤدي إلى تحقيق التوافق بعيداً عن نزعة فرض الإرادات. الإعلان عن انسداد المفاوضات جاء في اللحظات الأخيرة، بعد أن كان مقرراً التوقيع على مسودة اتفاق شاملة، وفقا ل "المخلافي"، الذي أشار إلى أن اللجنة عقدت، الجمعة، 3 اجتماعات مع الحوثيين، وتمكن الطرفان من بلورة مقترحات ونقاط اتفاق، وحلول للوضع الراهن. ويتضمن الاتفاق الفاشل بنودا رئيسية، أبرزها: الاتفاق على مبدأ الشراكة السياسية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتشكيل لجنة اقتصادية لدراسة ملف الجرعة، ورفع مخيمات الاعتصام، ووضع آلية مزمنة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، فيما تم الاتفاق على تأجيل ملف نزع السلاح إلى مرحلة لاحقة.