اليمن اجتاحت قوات أميركية خاصة قرية في جنوباليمن، في وقت مبكر من أمس الأول السبت، في إطار مجهودات لتحرير المصور الصحفي الأميركي الرهينة لدى القاعدة، غير أن عملية الاقتحام آلت إلى قيام الخاطفين بقتل الرهينة الأميركي ورهينة آخر محتجز معه من جنوب إفريقيا، كما قال مسؤولون أميركيون. الرهينتان وهما لوك سومرز، المصور الصحفي الأميركي وبيير كوركي المدرس الجنوب إفريقي، قتلهما خاطفوهما من عناصر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية عندما استشعروا أن عملية الإنقاذ لاحت في الأفق.. وقال الرئيس أوباما إنه وافق على تنفيذ عملية الإنقاذ بقيادة أكثر من عشرين من كوماندوز الفرقة السادسة لقوات "سيل" (قوات النخبة التي نفذت عملية اغتيال بن لادن)، بعد الإدراك بأن الخطر المحدق يداهم حياة السيد سومرز. وقال الرئيس الأميركي في تصريح إن "القيام بكل شيء ممكن لحماية المواطنين الأميركيين من أولى مسؤولياتي"، وأضاف "وكما أظهرت عملية إنقاذ الرهائن هذه وتلك التي سبقتها، فلن تألو الولاياتالمتحدة جهداً باستخدام كل إمكاناتها العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية لضمان إعادة الأميركيين إلى بلدهم سالمين، من أي موقع يكونون فيه في العالم". وكانت عملية الاقتحام هذه هي العملية الفاشلة الثانية التي تنفذها القوات الأميركية لإنقاذ السيد سومرز من اليمن، خلال أقل من أسبوعين. ومن المرجَّح أن يؤدي فقدان الرهينتين لحياتهما- إلى جانب العديد من المدنيين اليمنيين- إلى إثارة أسئلة جديدة حول اعتماد إدارة أوباما على القوة العسكرية لتحرير مواطنيها المختطفين.. كما أنها أثارت أسئلة حول التوقيت، فقد كان من المتوقع أن يطلق المسلحون سراح السيد كوركي، يوم الأحد، وفقاً لما أوضحته منظمة إغاثة من أنها نجحت في التفاوض على إطلاق سراح المدرس المختطف. وكان السيد سومرز عضواً في مجموعة صحفيين مستقلة قامت بتغطية الأحداث التي أعقبت احتجاجات عام 2011م، حيث واصل إقامته في اليمن وعمل فيها كمحرر مستقل لنشرات صادرة باللغة الإنجليزية وكمصور صحفي. وكانت أسرة السيد سومرز قد أطلقت نداء قبل مقتله بفترة قصيرة عبر تسجيل مصور طلبت من خاطفيه إطلاق سراحه، وأكدت الأسرة وبإلحاح أنه لم يكن لديها علم مسبق بمحاولة الإنقاذ الأولى. وأخبرت شقيقة سومرز، السيدة لوسي سومرز، الأسوشييتد برس، يوم السبت، بأن ضباطاً في ال إف.بي.آي أبلغوا الأسرة نبأ مقتل شقيقها. وقالت: "نطلب أن يُترك كافة أعضاء أسرة لوك لأن يحزنوا على فقيدهم بسلام". وأفاد الشيخ طارق الدغاري العولقي، في القرية التي نُفذت فيها عملية الاقتحام بمحافظة شبوةجنوباليمن، أن القوات الخاصة الأميركية اقتحمت أربعة منازل وقتلت مسلحين اثنين على الأقل، ولكنها أيضاً قتلت ثمانية مدنيين. وقال إن أحد القتلى المدنيين هو شيخٌ مسنٌّ عمره سبعين سنة، مضيفاً أن "إطلاق النار سبَّب هلعاً". وواصل السيد الدغاري حديثه قائلاً: إن "تسعة من القتلى هم من قبيلته"، وأضاف أن أهالي القرية قضوا بقية اليوم في دفن الموتى وجمع خراطيش "أغلفة" الرصاص الفارغة. فيما قال مسؤولون أميركيون إنهم تحركوا ضمن موعد حرج وفرصة ضيقة. وكان خاطفو السيد سومرز قد أعلنوا في مقطع تصوير مسجل، بثوه الأربعاء الفائت، أنهم سيقدمون على قتله يوم السبت ما لم تتم الاستجابة لمجموعة مطالب لم يفصحوا عنها في التسجيل. ويرجَّح أن يكون الإنذار النهائي الذي أطلقوه ردة فعل على عملية الاقتحام السابقة التي نُفذت يوم 25 نوفمبر، والتي تمت بقيادة كوماندوز قوات العمليات الأميركية الخاصة واستهدفت أحد الكهوف الواقعة بالقرب من الحدود اليمنية مع المملكة العربية السعودية. حرر الكوماندوز ثمانية رهائن آخرين في تلك العملية وقتلوا سبعة من المسلحين، لكنهم لم يجدوا أثراً للسيد سومرز، والذي من الواضح أنه تم نقله في الأيام السابقة للعملية. غير أنه لم يأتِ السبت إلَّا وقد تعقَّبته الولاياتالمتحدة الأميركية وحددت موقعه ضمن مجمع بقرية في جنوباليمن محاط بسور.. وكانت الاستخبارات الأميركية- بما في ذلك الأقمار التجسسية وطائرات الرصد بدون طيار وتقنيات التنصُّت- قد حدَّدت موقع السيد سومرز ورهينة غربي آخر داخل المجمع، وفقاً لما أورده مسؤول عسكري برتبة عالية، والذي قدم خلفية عن العملية واشترط عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالإدلاء عن معلومات حول العمليات السرية. لعبت قوات العمليات الخاصة الأميركية دوراً مركزياً في المهام القتالية حول العالم، منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأكثرها شهرة تلك التي تمت في باكستان عام 2011م والتي أدت لمقتل أسامة بن لادن. غير أن تحديات المسافات والأحوال الجوية وفشل المعدات والأجهزة والقدرة الاستخبارية المتعلقة بتحديد الموقع بدقة، وكذا ردود الفعل غير المتوقعة للطرف الآخر، تظل كلها تحديات قائمة على الدوام. فشلت عملية اقتحام أخرى في تحرير رهائن أميركيين كانت قد نفذتها القوات الأميركية الخاصة، في يوليو الماضي، ضد الدولة الإسلامية "داعش" على منزل آمن في سوريا، ومن الواضح أيضاً أنهم كانوا قد نُقلوا إلى موقع آخر قبل حلول موعد تنفيذ العملية. في حالة العملية الأخيرة المنفذة، يوم السبت، فقد كانت الاستخبارات دقيقة في تحديد موقع السيد سومرز. ويبدو أن قرار تحديد موعد تنفيذ العملية كان محكوماً بما حدده خاطفوه المسلحون من مهلة نهائية لقتله يوم السبت. ويبقى السؤال عمَّا إن كانت عمليات القتل تمثل تحولاً أكبر في تكتيكات القاعدة، والتي كانت قد ابتعدت كثيراً عن قتل الرهائن في السنوات القليلة الماضية تغليباً لأولوية التفاوض على الفديات، وهو أمر مناقض للإعدامات المتكررة التي نفذتها الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش". في عملية السبت، كان كوماندوز الفرقة السادسة "سيل" برفقة عدد صغير من قوات مكافحة الإرهاب اليمنية قد وصلوا القرية تحت جنح الظلام، في الساعات الأولى من يوم السبت، (حسب التوقيت المحلي) وعلى متن طائرة مروحية من طراز في-22 أوسبري، والتي تعمل بتقنية المراوح القابلة لتغيير الاتجاه. هبطت القوات على بعد عدة مئات من الياردات عن المجمع في محاولة للحفاظ على أيٍّ من عناصر المفاجأة. واجهت مجهوداتهم فرصاً ضيقة، فالمجمع كان تحت حراسة قرابة ستة مسلحين متوجِّسين من احتمال تكرار محاولة الإنقاذ السابقة، كما أن التقدم في اتجاه المجمع كان صعباً بما يكفي لحد يفقد معه الكوماندوز كل عناصر المفاجأة تقريباً، والتي يخططون لها ويعتمدون عليها بشكل رئيس. قال المسئول العسكري الكبير، الذي ظل يتابع العملية طيلة ليلة الجمعة إلى السبت، إنه "كان من الصعب للغاية الوصول إلى الرهائن قبل أن يأخذ الخاطفون حذرهم. وكان من الصعب للغاية أن يُؤخذوا على حين غرَّة وبما يكفي لعدم إتاحة أية فرصة لهم لإعدام الرهائن". نفذ الكوماندوز المدججون بالأسلحة والمزودون بنظارات ليلية اجتياحهم للمجمع، وهم يعلمون تماماً المبنى الذي تُحتجز فيه الرهائن. غير أنهم فقدوا عنصر المفاجأة، وشاهد الكوماندوز دخول أحد المسلحين لمبنى صغير والبقاء فيه مدة تكفي لإطلاق النار على الرهائن والمغادرة. وفي الوقت الذي وصل فيه الأميركيون إلى المبنى، كان المسلحون قد فرواً. تمكَّن الكوماندوز من أخذ الرهينتين، السيد سومرز والسيد كوركي، وفيهما إصابات قاتلة، حيث توفي أحدهما- ولم يحدد المسؤولون أياً يكون من الرهينتين- أثناء نقله على المروحية باتجاه المدمرة "مالكين آيلاند" التي انطلقت منها الفرقة المكلفة بالمهمة، والتي ترسو على الساحل اليمني. بينما توفي الرهينة الآخر فوق منضدة العمليات الجراحية بعد الوصول إلى السفينة. كما قال المسئولون الأميركيون إنهم لم يكونوا على علم بأية ترتيبات لإطلاق سراح السيد كوركي الذي تم اختطافه مع زوجته، يولاند كوركي، في مايو 2013م. وكانت السيدة كوركي قد أُطلق سراحها مقابل فدية في يناير، بعد أن استغلت منظمة "وقف الواقفين" الجنوب إفريقية للإغاثة والعاملة في اليمن علاقاتها بشيوخ القبائل في المنطقة للتواصل مع الخاطفين، وفقاً لما أدلى به مدير المنظمة، امتياز سليمان. غير أن المفاوضات حول إطلاق سراح السيد كوركي كانت أكثر صعوبة، حسبما أكدته المنظمة الإغاثية، وذلك بإصرار القاعدة على الحصول على فدية، بالرغم من أن الأسرة أفادت أنها لا تمتلك المبلغ المطلوب. وقد رفضت حكومة جنوب إفريقيا التدخل كما أفاد السيد سليمان في مقابلة له، في يونيو الماضي. وفقاً لبيان منظمة "وقف الواقفين" المنشور في موقعهم على الإنترنت، قالت منظمة الإغاثة إن "القاعدة كانت ستطلق سراح بيير كوركي غداً". وكانت قيادات يمنية تعد ل"الترتيبات الأمنية واللوجستية النهائية"، كما جاء في البيان نفسه. "وكان الأمر الأكثر مأساوية تلك الكلمات التي استخدمناها في محادثة جرت مع السيدة يولاندي زوجته الساعة 5:59 صباحاً، وهي: "شارف الانتظار على النهاية". ____________________________________ شارك فهيم كريم في إعداد التقرير الإخباري من صنعاء، اليمن، وإيريك شميت من المنامة، البحرين، كما شارك روكميني كاليماكي من إسطنبول، وسعيد البطاطي من المكلا، اليمن، ومايكل آر. جوردون من واشنطن.