بذلت مراكز النفوذ جهدها لكي تفرض مسودة دستور من خارج دائر التوافق الوطني فقادت هذه العنجهية إلى أزمات، وعندما أنكشف الغطاء وتوترت الأوضاع ظهرت التسويات في بيان أعلنته الرئاسة بعيدا عن عدسات الكاميرات، فأرادت له مراكز القوى والنفوذ ألا يرى النور. لأن القضية ليست همَّا وطنيا لدى مراكز نفوذ دولة الإخوان البائدة المبتهجين بمشاريع اللاعبين الجدد ولأن المشترك بينها هو فقط الخصومة والمواقف العدائية للحوثيين، انقلبوا على تفاهمات الحل السياسي من الساعة الأولى وباشروا بشن حملات التشكيك بشرعية الاتفاق بل ووصل الحال إلى التشكيك بشرعية الرئيس هادي. حدث هذا كله في ساعات، وتاليا وجدناهم يتخندقون في صف المؤيدين للرئيس والمناهضين للانقلاب على الشرعية ! أذرعهم السياسية والعسكرية المستترة، اختارت جزئية الأقاليم كأرخص سلاح يمكن أن يواجهوا به الخصوم، فاتجهت مطابخهم إلى عدن، ومن داخل السلطة المحلية واللجنة الأمنية سوقوا مخاوف وقرارات وقائية لا مبرر لها عبروا عنها بمؤامرة "إقليم عدن". أزاحوا الحراك الجنوبي سريعا عن المشهد ولبسوا عباءات قادته فخرقوا الدستور النافذ والقوانين، وأعلنوا إجراءات تحت سقف الإقليم الذي لم ينشأ بعد. عندما كان الحوثيون يسيطرون على الميدان لم يفرضوا قواعد جديدة، بل وجدناهم يبحثون قضايا الشراكة ومسودة الدستور ومشروع الأقاليم في المسار السياسي مع الرئاسة والقوى السياسية. حينها كانت مراكز القوى تضج عبر أذرعها الإعلامية الضاربة بأن الحوثيين يحاصرون الرئيس والحكومة ويفرضون إرادتهم بالقوة. حينها كان التوافق قد تم بين الحوثيين والرئاسة على هذه القضايا باتفاق معلن لكنهم انقلبوا عليه في عملية تجاوزت تفاهمات الحل السياسي إلى الانقلاب على الدستور النافذ والقوانين وحتى مسودة الدستور الاتحادي وصاغوا لأنفسهم قوانين لعبة جديدة وباشروا بسيناريوهات تمزق كيان الدولة وتحشر البلد في نفق أزمات. لو سألتهم وماذا بعد؟ لن تجد ما يقنعك سوى ذلك السيل الجارف من الشعارات الغوغائية ذات المدلول الطائفي. لا يكترث هؤلاء أن يقود هذا الجنون إلى خرق السفينة ولا يهم إن كانت نتائجه ستهدم المعبد على الجميع.. ما يهمم هو الشعور ولو قليلا بالانتصار حتى لو تم لهم ذلك خارج الحلبة.