بعد الاستهداف الأمريكي البريطاني للقوات الحكومية السورية أعرب الأمريكان والإنجليز عن أسفهم للضحايا الذين سقطوا نتيجة للضربة غير المتعمدة.. للوهلة الأولى قد يبدو من الغريب أن يأسف الأمريكان والإنجليز على ذلك كونهم لا يخفون رغبتهم في القضاء على الرئيس الأسد بأي وسيلة.. وفي الحقيقة أن الأمريكان تعمدوا ضربتهم وأرادوا استهداف الجيش السوري عن سابق تخطيط إلا أنهم لم يمتلكوا الشجاعة للإعلان عن ذلك صراحة.. بات من الواضح للجميع وخصوصا للأمريكان أن الرئيس الأسد لم يعد هو المشكلة، وعلى ضوء ذلك يمكننا القول أن المستهدف الرئيسي من تلك الضربة هم الروس.. الأمريكان يريدون اختبار مدى جدية الروس في دعم الرئيس الأسد.. بعبارة أخرى، الأمريكان يريدون معرفة مدى جدية الروس في رغبتهم باستعادة دورهم الندي والموازي للدور الأمريكي في المنطقة وما الذي يمكنهم بذله في سبيل ذلك.. ما تريد الإدارة الأمريكية معرفته والتأكد منه بالتحديد هو الإجابة على السؤال التالي : هل يوجد لدى الروس استعداد لإشعال حرب كبرى من أجل استعادة مصالحهم في المنطقة؟ هذا بالضبط ما يريد الأمريكان معرفته ولا أعتقد أن الروس سيتأخرون في الإجابة عن هذا السؤال.. الجواب الروسي باعتقادي هو نعم. هنا - وبالمقابل - ما يريد الروس معرفته هو الإجابة على نفس السؤال : هل لدى الأمريكان نفس الاستعداد والجدية التي لدى الروس؟ هل لدى الأمريكان الاستعداد لإشعال حرب كبرى من أجل الحفاظ على تفردها وهيمنتها على المنطقة والعالم؟ وفي الحقيقة أن الإجابة عن هذا التساؤل تهمنا جميعا.. ما ينبغي توضيحه هنا هو أن المقصود بحرب كبرى لا يعني حرب روسية أمريكية مباشرة.. ليس بالضرورة ولا أعتقد أن الطرفين بهذا التهور (.....). ما أقصده بالحرب الكبرى هنا هو الإيذان بدخول المنطقة في حرب إقليمية شاملة بين حليفي القطبين العالميين في المنطقة السعودية وإيران، وهي حرب لن تكون إسرائيل بمعزل عنها بطبيعة الحال.. وفي نهاية المطاف هي حرب إن اندلعت فقد تجر معها الجميع.. ميزة الأمريكان هنا أنهم عمليون ويستطيعون قراءة واستباق الأحداث وبالتالي التحسب لها بما يخدم مصالحهم (كما فعلوا عام 2011 ) أو على الأقل بما يقلل من خسائرهم ويحفظ لهم الحد الأدنى من تلك المصالح (كما قد يفعلوا الآن). الأمريكان يعرفون مسبقا بأن السعودية في مراحلها الأخيرة كما يعرفون أن هذا الأمر ليس في مقدورهم إيقافه أو كبحه، غير أنهم يعرفون أنهم يستطيعون ترويضه ومراوغته واستثماره، وبما يخدم في النهاية المصالح الأمريكية بدلا عن الأضرار بها.. جميع المعطيات تقول أن الولاياتالمتحدة بدأت تجهز نفسها للحظة التي ستنتهي فيه دولة من أهم حلفائها التاريخيين في المنطقة المملكة العربية السعودية.. على ا?قل دورها كحليف قوي ومؤثر. في الواقع لم تعد أمريكا تتجهز لذلك فحسب.. الأمريكان أنفسهم يعملون على تلك النهاية ولكن وفق جدول زمني معد ومسبق.. إقرار قانون ملاحقة السعوديين على ذمة أحداث 11/9 مثال على هذا الجدول.. الأرجح أن الأمريكان سيشعلون هذه الحرب لكنهم سيحرصون على تحجيمها وترويضها وبما يخدم مصلحتهم في النهاية أو على الأقل الحد الأدنى منها..