بعد مرور عام على عدوان التحالف السعودي، تأكد أن العملية الخاطفة التي حصلت المملكة من حلفائها الغربيين على الضوء الأخضر للقيام بها قد تحولت إلى حرب غير أخلاقية، لا أفق لها ويجب على المملكة أن تجرب الطاولة بدلاً من الخندق الفاشل، فأرسلت مرتزقتها على مضض إلى مشاورات السلام في الكويت ليطالبوا بالعودة إلى الحكم وتسليم الأسلحة وقاعدة بيانات القوات المسلحة والأسلحة الاستراتيجية. لقد بدا أن المملكة كانت تسعى من إرسال مرتزقتها إلى أن تحقق بالمفاوضات ما عجزت عن تحقيقه بالحرب طيلة عام، أو تحميل المفاوض الوطني مسئولية فشل المفاوضات وإقناع حلفائها بالتمديد للمعركة التي لم تستطع أن تستوعب بعد أنها خسرتها. ورغم أن التحالف السعودي -منذ بدء الحرب- يستهدف تدمير الاقتصاد وإصابته بالشلل وركز على السيطرة على الموارد الرئيسة للدخل (النفط وميناء عدن الرئيس)، فإنه حتى الأيام الأخيرة للمشاورات وسفراء الدول العظمى يعتبرون نقل البنك المركزي إلى عدن خطاً أحمر والمساس به يعني انهيار آخر ملامح الدولة، ولأكثر من مرة رفضوا مطالب هادي بنقله، ولم يكن نقل البنك ممكناً من الناحية العملية، وإنما كانت غاية العدوان ومرتزقته من ذلك منع البنك المركزي من أداء مهامه في تأمين استيراد السلع الأساسية وصرف مرتبات الموظفين وهذا بمثابة القنبلة النووية التي يعتقدون أنها ستجبر اليمنيين على الاستسلام. بعد التوافق المبدئي في الجولة الأولى من مفاوضات الكويت على وقف العمليات العسكرية وتشكيل حكومة وحدة وطنية وبدء أعمال الإغاثة الإنسانية ليتم بعد إجازة العيد مناقشة تفاصيل ذلك والتوقيع عليه، إلا أن وفد المرتزقة عاد بالمفاوضات في الجولة الثانية إلى نقطة الصفر، فردت القوى الوطنية في الداخل على ذلك بتشكيل مجلس سياسي إنذاراً بأنها لن تستمر في مفاوضات عدمية إلى ما لا نهاية، وإنما ستقوم بتشكيل السلطة التنفيذية في صنعاء التي سيرسل العالم إليها سفراءه بدلاً من فنادق الرياض وهو ما أثار جنون سفراء دول التحالف فتم رفع المشاورات من قبل المبعوث الأممي لمدة شهر للتشاور لكن ما حدث هو إقناع الدول الكبرى بالسماح لهادي بإصدار قرار نقل البنك المركزي إلى عدن واحتجاز الوفد الوطني في مسقط بمنع الطائرة العمانية من إعادته إلى صنعاء ليتسنى العودة إلى المفاوضات في حال فشلت قنبلة البنك المركزي في إجبار القوى الوطنية على الاستسلام. أدى قرار نقل البنك المركزي وتغيير المحافظ إلى منع تسليم روسيا أربعمائة مليار ريال التي كانت ستحل مشكلة السيولة النقدية فتوقف صرف المرتبات بالتوازي مع تصعيد عسكري على كافة الجبهات وحملة تحريض سخر لها العدو ومرتزقته كل وسائط الاتصال الجماهيري من وسائل الإعلام إلى وسائل المواصلات العامة ومقايل القات. سلطة صنعاء الجديدة وقيادات القوى الوطنية تصرفت بدورها كمسئول عما يجري بتبني معالجات ترقيعية ودعوات إلى الصمود، بدلاً من تقدم صفوف المطالبين بصرف المرتبات وتحميل حكومة المرتزقة مسئولية ذلك، ربما لأنها خشيت أن يحسب ذلك اعترافاً منها بشرعية هادي وحكومته. أما الإعلام الوطني فركز كثيراً على تبني الحلول الترقيعية للسلطة الوطنية، حث الجماهير على الصمود بدلاً من توجيه سخطها نحو المسئول الحقيقي، بعض وسائل الإعلام واجهت الترويج لتهم الفساد كمسئول على انقطاع المرتبات بالإنكار التام لأي فساد بدلاً من تفنيد المشكلة وإيضاح أسبابها، وهناك في الإعلام الوطني من اتخذ الوجهة الصحيحة في توجيه السخط صوب حكومة المرتزقة وقرار نقل البنك كمسئول عن انقطاع الراتب، أما البطل الذي كان له الدور الأكبر في مواجهة قنبلة الراتب فهو بحق عزة هذا الشعب العظيم وشموخه وتكافله وصبره عند الملمات، فمضى الشهر والثاني والرابع ولم يستسلم اليمنيون لقنبلة الجوع الفتاكة وصمدوا كما صمدوا في وجه قنابل الموت. وصول السيولة اليوم من روسيا يعني أن قنبلة البنك قد فشلت في تركيع اليمنيين كما فشلت القنابل العنقودية والنيترونية، ومن الطبيعي أن يتم تسليمها لحكومة المرتزقة لأنها الشرعية بنظر الخارج، ولأن مملكة العدوان تحاول أن تمنح مرتزقتها فخر أبي سفيان، وربما ترغب في تحويل الراتب من عصا إلى جزرة، ومع هذا عدم تسليم الأربعمائة مليار كاملة لحكومة المرتزقة يعني أنها ليست محل ثقة ممن يعترفون بها، وإذا نحّينا فرضية التشطير واتخاذ المبلغ وسيلة ضغط لنقل قاعدة بيانات البنك المركزي فذلك يجعلنا نفترض أن حكومة المرتزقة تخوض اختباراً أمام المجتمع الدولي، وإذا لم تقم بصرف المرتبات لجميع اليمنيين فستتحول إلى عصابة في نظر الدول التي لا زالت تتعامل معها كحكومة وسيتم تسليم بقية المبلغ إلى صنعاء، أما بالنسبة لليمنيين الذين لم يخضعهم قطع المرتبات فإن تسليمه من حكومة المرتزقة لن يغريهم بالاعتراف بشرعيتها ونسيان دمائهم ودموعهم.