لا تغنِّ للوطن في الشوارع المهملة، ولا تنصب الأعلام في أزقة المهمشين..! هم وطنيون بالفطرة، لكن.. لا تنتظر من المقموعين أن يرددوا وراءك النشيد الوطني، أو يكونوا أوفياء لشيء لم يكن وفياً معهم.! هم فقط يكرهون الظلم، فلا تتركهم يكرهون الوطن أيضاً، باختزاله في ذاتك، وجلدهم بالتهم والشعارات الوطنية!. الوطن ليس حالة حالمة معزولة عن واقع البشر.. إنه الجغرافيا والتاريخ والحقوق والخبز والحب والدفء والكرامة والعدالة والحرية.. وفّر لهم الوطن أولاً.. ثم طالبهم بالوطنية.. الوطنية، كأي حالة مشروطة، حالة تنتفي بانتفاء شروطها.. يفسر هذا لماذا يوجد الخونة والعملاء والمرتزقة، كظاهرة، في بعض الدول وبعض المراحل فقط، كما يفسر لماذا وطنيون شرفاء كبار أصبحوا فجأة خونة ومرتزقة.. ضد بلدانهم.؟! إنه الشعور بالغربة في الوطن.. قد يخلع الآدمي آدميته في الشروط غير الآدمية، ويصبح البشر وحوشاً إذا تمت معاملتهم كالطفيليات !. لكن هذا لا يفسر كل شيء، في حالة الخيانة.. الخيانة كالوطنية، صفة بالغة الالتباس في السياقات الطافحة بالقمع والمزايدات!. غير أنه يوضح خطورة عواقب التجاهل الأناني للرغبات العامة، من قبل فئة طالما شربت من نفس الكأس، وليست بريئة تماما من تهم وشبهات الخيانة والعمالة والارتزاق.! في كل حال، ضاع الوطن الآن.. لكن هؤلاء الذين دمروا معكم كل شيء، كانوا وطنيين أسوياء، أغلبهم لم يمسك سلاحا في حياته، ولم يفكر بالسياسة حتى، وها هم اليوم مجاميع هائلة من الثوار والمجرمين والقتلة والإرهابيين واللصوص وقطاع الطرق.!. بالتجاهل والقمع لا يمكن خلق شعب سوي، بل غابة من الوحوش الآدمية!. مع أول فرصة ثار هذا التسونامي المريض، واندفع بهذا الشكل المشوه إلى سواحل السياسة المرادفة للحقد والثأر، والكفاح المرادف لإشعال الحرائق، وتهديم المعبد عليه وعلى أعدائه!. لستم وحدكم السبب، لكن كان بإمكانكم فعل شيء صحيح، بدلاً من ازدراء القوة العارمة للضعف الجريح، وإخراج المارد الملعون من قمقمه، بفرك الملح على جروحه النازفة!. وتظل المفارقة، أنكم لم تتعلموا شيئا ذا بال من التجربة.. ما زلتم تنتهجون نفس النهج غير السوي، على البقية الباقية من الأسوياء، إنكم تحرضونهم على الانفجار، في الوقت الذي تريدون منهم، بكل بجاحة، الانحياز للوطن والدفاع عنه!. هم وطنيون بالفطرة، ربما أكثر منكم، لكن على المرء أن لا يتوقع حتى من أهله، وقد صادر منزلهم، أن يتحمسوا للدفاع عن منزل صار له وحده: أبواب مغلقة في وجوههم، وسقوف محا أسماءهم منها، وحوائط أصبحت بالنسبة لهم جدران معتقل.!