* بضعة أيام فقط هي ما بات يفصلنا عن موعد بدء عقد جولات الحوار السياسي المزمع لتحديد شكل ومستقبل النظام والعملية السياسية والديمقراطية في بلادنا. * وما بين موعد الحوار المرتقب وتحقيق آمال الشعب المتنامية في الوحدة والسلام والتقدم والاستقرار تقف العديد من العوائق وحجرات العثرة الماثلة والمتمثلة في احتدام عوامل الفوضى والتخريب والتطرف والتبشير الجهادي واللاهوتي وتفسخ مشاعر الوحدة والهوية الوطنية وتفشي نوازع الانتهازية السياسية وقيم الخداع والكراهية والاحتيال وتعثر عجلة التنمية وتوسع ظاهرة الفقر والبطالة والدونية واحتدام عوامل الانقسام السياسي والاجتماعي والطبقي بدرجة لا تبشر بأية بواعث إيجابية على صعيد تعزيز أسس الحداثة المدنية والديمقراطية وجعل الطموحات المدنية والتنموية حجر الزاوية لبناء المستقبل الإنساني في بلادنا على وجه العموم * إنها باختصار أوضاع مثبطة للهمة والعزيمة وإن كانت غير ميوؤس منها.. لولا أن الإرهاب الديني لا يزال يحتل من خلال رموزه وأدواته المتنوعة صدارة معضلاتنا الاجتماعية والوطنية.. خاصة وأنه.. أي الإرهاب..لا ينطوي على حلول وسط وبالتحديد في نطاق مجتمعاتنا المحلية التي يصعب تغييرها هي الأخرى بسبب غياب سلطة القانون وانحطاط مفهوم الإدارة المنهجية التي اتسمت بها مسيرتنا الوطنية طوال العقود الماضية بالإضافة إلى هيمنة الفوضى والتخلف الاجتماعي المعشعش على كل مفاصل الحياة الإنسانية بما أفرزه طيلة مراحل العملية الثورية الوطنية من حالة متجذرة من الشك والريبة وعدم الأمان المجتمعي وانحطاط الثقة الجماهيرية بمجمل الحكومات الوطنية بهيئاتها ومؤسساتها المتعاقبة طوال تلك الفترة. * فعلام سنتحاور يا ترى.. إذا كانت طاولة المفاوضات مكتظة بمشهد أولئك الملتحين من أمراء الحرب والعصابات الجهادية واللاهوتية التي يسهب أطرافها في الحديث عن الفضائل المدنية والديمقراطية والثورية.. فيما خواصرهم مثقلة بالمسدسات وبالنزعات الدموية والإجرامية التي كرسوها كأمر واقع خلال العامين الماضيين جاعلين من مضمونها الدموي والتخريبي معياراً أسياسياً لرسم أسس ومعالم التغيير والتحول السياسي الجاري كما يتبين بجلاء من خلال حروبهم المليشاوية التي يشنونها بانتظام ضد الحوثيين من جهة أولى في أنحاء عدة ومتفرقة من مناطق شمال الشمال.. صعدة والجوف وحجة وغيرها.. وضد قوى الحراك الجنوبي من الناحية الأخرى في بعض محافظات الحزام الجنوبي الملتهبة حالياً تحت أقدام الفاشيست الراديكالي والمشيخي الذي يمثله حزب الإصلاح وأعوانه. * وبأي آلية أو عقلية يا ترى ستدار موضوعات الحوار الوطني والمصالحة المرتقبة طالما والعصابات الجهادية والراديكالية ذاتها لا تزال محصورة ومقيدة داخل حدود إرثها ونزعاتها الإقصائية والرفضية المتنامية ضد الآخر.. بالصورة التي يمكن قياسها من خلال الإمعان في فحوى التصريحات والتصورات الأكثر حدة وتطرفاً الصادرة تباعاً على مشارف مرحلة الحوار عن أطرافها ورموزها لعل آخرها تلك التي أصدرها قبل أقل من أسبوعين القيادي الجهادي المعروف بشطحاته الدرامية محمد قحطان، والتي ألمح من خلالها إلى إمكانية حل المؤتمر الشعبي العام لتمهيد الطريق على حد زعمه لحل كافة معضلاتنا الاجتماعية والوطنية..هكذا دفعة واحدة.. في تأكيد عملي ربما على جحود وانفصامية هذا الرجل الذي كان لكل من الرئيس السابق صالح والمصادفة الفضل الأساسي في تحويله من بائع جوارب متنقل إلى فاتح إصلاحي يهدد بالويل والثبور..إلخ. * وهي الحقائق التي تجعل من إمكانية البدء في خوض عملية الحوار الوطني جنباً إلى جنب مع تلك العصابات اللاهوتية المتوحشة والمدججة بكل قيم الإفك والابتزاز والكراهية أمراً مفروغاً منه وعملية لن تسفر من وجهة نظري عن تحقيق أية نتائج إيجابية محتملة على صعيد تعزيز مبدأ التوافق الوطني والخروج بآلية موحدة لبناء النظام السياسي للمجتمع من منظور عصري وتقدمي يهدف إلى الحد من معايير الفوضى والتسلط والغوغائية. هذا إذا لم تتحول.. عملية الحوار الوطني ذاتها.. من أداة تحاور حضاري..إلى وسيلة منهجية لرسم وتحديد المعالم الاحترابية القادمة بين مختلف فصائل ومكونات العمل السياسي والوطني.. انطلاقاً من حقيقة تاريخية ثابتة ومؤكدة وهي أن العنف بأنماطه العشائرية والمناطقية والدينية لا تزال تشكل في مجملها الوسيلة المنهجية في بلادنا لحسم الخلافات الناشبة رغم أنه غير مجدٍ على الإطلاق كما برهنت أحداثه المتلاحقة على امتداد مراحل العملية الثورية الوطنية. * خاصة وأن دعاة وأمراء هذا النوع الانهزامي من العنف والعبثية هم ذاتهم من يهيمنون اليوم على عرش السلطة والتغيير والحوار والتحول الوطني المعمد بدماء وأشلاء الأمة. * الرئيس التنفيذي لحركة الدفاع عن الأحرار السود في اليمن رئيس قطاع الحقوق والحريات في الاتحاد الوطني للفئات المهمشة.