قبل فترة عبنا على وكيل وزارة الداخلية تعليق الفوضى الأمنية وتخريب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط على أعناق كائنات خرافية سماها "قوى خفية".. وقلنا إن رجل الأمن لا ينبغي له الحديث بمثل هذا المنطق الذي يحيل الوقائع التي تحدث على الأرض على ذمة كائنات وهمية..هل تواجه المشكلات الأمنية بمثل هذا المنطق الذي يترك الجناة الحقيقيين، ويلجأ إلى البحث في غرفة مظلمة عن قطة سوداء غير موجودة .. فإذا بوزير الداخلية يلقي على منتسبي أكاديمية عسكرية محاضرة يعلمهم فيها كيفية إلصاق الجرائم بذمة الخوافي والجن التي نسمع عنهم ولا نراهم. قال لهم إن هناك قوى خفية معادية للتغيير تسعى إلى خلق الفوضى وتصديرها لمختلف مدن اليمن! ولأن المحاضرة مكرسة لعلوم الخفايا، لم يسأله واحد من المتلقين، إذا كانت خفية، كيف عرف أنها تشتغل بالخلق والتصدير، وكيف عرف أنها معادية للتغيير، ولماذا التغيير بالذات؟ لكن لماذا السؤال عن المعرفة العلمية والعيانية، ما دام الرجل جاء يلقي عليهم محاضرة عن الأوهام والخفايا؟ كنا نعتقد أن تعليق وكيل الوزارة الفشل على أعناق"قوى خفية" حالة شخصية، فإذا بالوزير يؤكد أن مرض الخفية هذا سيطر على الوزارة، فصارت وزارة خوافي.. قيادتها تنظر لليمن بوصفها عالم الخفاء أو أرض الخوافي، ولهذا السبب تزداد الجرائم والتخريب والفوضى الأمنية التي تخلقها وتصدرها قوى ظاهرة عبر المحافظات، لأن وزارة الخوافي مشغولة بأمر القوى الخفية. هي مثلا لا تهتم بأمر المخربين الظاهرين المعروفين لديها، والذين أمنوا من خوفها، ويخبرونها مسبقا أنهم سيفجرون أنبوب نفط في المكان الفلاني، وسيقطعون الطرقات العلانية، وسيخبطون برج الكهرباء يوم كذا..هي لا تهتم بهؤلاء الظاهرين المعروفين، ومن يقع منهم في قبضتها تخرجهم من سجونها.. هي تدور على المستتر، عن قوى خفية.. عن عبد الخفي، وعبد المستخفي، والمختفي، وأبو خفية، وابن بنت خافية، وغيرها من الأوهام والأساطير التي تعشعش في رأس وزارة الخوافي، ولا وجود لها في الواقع. وفي عهد وزارة الخوافي، لم تزدهر الفوضى الأمنية الظاهرة والتخريب الظاهر فحسب، ولم ترتفع أعداد جرائم القتل الظاهر فحسب، بل أيضا ازدهرت في عهد هذه الوزارة التجارات التي لها علاقة بالستر والخفاء والكتمان، كالمخدرات والسلاح، حتى أن شحنات الأسلحة الكثيرة والمتنوعة التي تهرب إلى الداخل من صنف القنص وأبو منظار ليلي وكاتم الصوت.. ولم لا، ألسنا في زمن وزارة الخوافي؟