ما معنى أن تكون إنساناً؟! من المعروف أن تلك الدول المسماة بدول العالم المتقدم والذي لا نعرفه ولا ننتمي في الأساس إليه، هي التي تمتلك مقومات بناء الإنسان لكي يكون إنساناً وليس أي شيء آخر! وفي اليمن لطالما حمّلنا الوطن همومه وأوضاعه المتردية ومآسيه وبالمقابل ماذا حَمَل عنا! لا نذهب بعيداً.. قارن طفلك المحروم من أي امتيازات يحظى بها طفل آخر في دول الخليج المجاورة ، إنه بالكاد يحصل على لعبة وحتى اللعبة في تلك الدول تختلف تقنياً وعلمياً عما قد يحصل عليها أطفالنا هنا! هموم الطفل اليمني أكبر من طموحاته وخيالاته وسرعان ما سيدرك أنه يصطدم بجدار أصم اسمه الوطن!، الآمال والطموحات تتلاشى تدريجياً وتتحطم فوق قسوة البحث عن إشباع بطنه الجائعة! فلماذا يبدع اليمني في الخارج؟! هنا تكمن المفارقة العجيبة والإجابة لانجهل مبادئها الأساسية! إن شغلنا الشاغل هو البحث عن إشباع البطون و"الثلاث وجبات"الأساسية هي جل ما نحاول توفيره لأبنائنا هذا إن استطعنا إليها سبيلا.. ولأنك ومنذ أن تستيقظ وجيبك فاضٍوقد تضطر لإرسال أبنائك للمدرسة دون مصروف أو حتى قيمة شربة ماء! ولأنك تفكر دوماً ومن راتب شهري لا يتعدى (ثلاثمائة دولار) كيف ستقضي ديونك المتراكمة بدءاً من صاحب البيت إلى البقال؟! وربما ستلجأ للحيلة أو الهمجية وبدون قصد؟! وفي الدوامة العسيرة لن يتسنى لك التفكير بمن يمتلك المواهب من أطفالك وبمن تفوق أو حتى كان نابغة!، وقد توأد العبقرية في مهدها إذا لم تستطع "شراء الدواء" حال مرض طفلك العبقري! تجول بنظراتك هنا وهناك تجد شباباً ما هم بالشباب!، لم يتجاوزوا العشرين من أعمارهم وعلى محياهم ملامح شيخ في السبعين؟! سوء التغذية، انعدام الحيلة، تكسر الطموحات، انعدام فرص العمل المناسبة، بطالة آسرة وشعور بنبذ المجتمع ،انعدام أدنى مقومات الحياة الطبيعية لمن في أعمارهم، أو كما قال أستاذي في الجامعة وفي أول زيارة له لليمن حيث تفاجأ بهيئة الشباب الجامعي:"ماذا جرى لكم يا أهل اليمن؟!" ماهي أهداف وطموحات شبابنا وأطفالنا؟! (قارن بينهم ونظرائهم في دول الخليج!!) الأمن الغذائي هو اللبنة لبناء العقل وليس بمتناول المساكين إلا العيش على الكفاف من مكونات الدقيق ، تعودنا (الشحططة) نعيش في الغالب بلا كهرباء أو ماء!، والبحث عن إعمال العقل أو المواهب أو تنمية القدرات ليس دارجاً ضمن أهدافنا اليومية ولا حتى ضمن أهداف دولتنا المشغولة بهمومها أعانها الله! فهل نستسلم لعملية الانقراض التدريجي للأفراد والمواهب وهذا جل ما نخشاه ولا أظنه ببعيد عنّا! والأمر الذي لا يخفى على متأمل لحالتنا البائسة أن الشعب اليمني محكوم عليه أن يحيا مقتولاً في الوطن وربما قد ينجو لو استطاع النفاذ بجلده قبل فوات الأوان! وإلا فإن الجيل القادم سيحصد ماحصدناه فلا إرادة تخلق في ظل ظروف لم تكن مهيأة على الدوام وكما يقال أن"الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون!!"