إعلان الكشف عن خلية تتبع تنظيم "القاعدة" داخل السعودية، ليس بالخبر المفاجئ مع استمرار الفكر المتطرف، ومع تطور إمكانات وزارة الداخلية السعودية، وحرفيتها الأمنية لمواجهته. ولكن المثير في هذا الإعلان، بحسب بعض المراقبين، هو ارتباط هذا التنظيم، الذي يستهدف الداخل السعودي في "الخفاء"، بتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش)، وهو التنظيم الذي لم يَحسم بعد معركته "المُعلَنة" تجاه النظام الأسدي.
يُشبّه المفكرون السياسيون هذه التنظيمات بالفيروسات، فهي من جهة تحتاج إلى بيئة حاضنة للانتشار، ومن جهة أخرى بإمكانها التحول في صيغ مختلفة لمقاومة أي محاولة للقضاء عليها، وهذا ما يجعل "داعش"، في نظر البعض ليست سوى صيغة فيروسية أخرى، أكثر مقاومَة، من الفيروس القاعدي.
والبيئة الحاضنة نوعان؛ نوع جغرافي، حيث ينشط هذا الفكر ويخفت، تبعا للمساحات الجغرافية التي يتحصل عليها، كما حصل في العراق إبان الفراغ السياسي والأمني، وما يحصل في جبال اليمن، وهو ما يتكرر أيضا بالنسبة لداعش في سورية.
أما النوع الثاني الذي لا يقل خطرًا اليوم، فهو بيئة افتراضية إلكترونية "دعائية" ونشطة باستمرار. فبحسب خبراء التقنية، هذه البيئة توسعت أكثر بعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي وتحديدًا تويتر ويوتيوب.
وهنا يمكن استحضار الأمر الآخر اللافت في إعلان الداخلية السعودية، حيث متابعة شبكات التواصل الاجتماعي، كانت سببا في الإطاحة بهذا التنظيم، وبحسب البيان: "تولت الأجهزة الأمنية المختصة متابعة الوضع بعناية فائقة، وأخذ ما يطرح على شبكات التواصل الاجتماعي على محمل الجد (…) وبفضل من الله تمكنت الأجهزة المختصة من رصد أنشطة مشبوهة كشفت عن تنظيم إرهابي يتواصل فيه عناصر التنظيم الضال في اليمن مع قرنائهم من أعضاء التنظيمات في سورية وبتنسيق شامل مع العناصر الضالة داخل الوطن في عدد من مناطق المملكة".
وعن طبيعة هذا الاستهداف للداخل السعودي يقول اللواء منصور التركي المتحدث باسم الداخلية: "البناء التنظيمي لخلايا التنظيم أظهر اهتماما بالغا بخطوط التهريب، خاصة عبر الحدود الجنوبية، وذلك لتهريب الأشخاص والأسلحة مع إعطاء أولوية قصوى لتهريب النساء والأطفال".
إضافة للتخطيط لعمليات إجرامية ضد منشآت حكومية ومصالح أجنبية، واغتيالات، بحسب بيان وزارة الداخلية.
الاغتيالات واستهداف المنشآت ليس جديدا على الفكر القاعدي لكن "إعطاء الأولوية القصوى لتهريب النساء والأطفال" إلى خارج السعودية، أمر يثير الكثير من الأسئلة تجاه ما تريده هذه التنظيمات من استقطاب النساء والأطفال؟ ويفسّر البعض هذا الأمر إما استغلالًا لطبيعة النساء "العاطفية" التي يمكن توظيفها في عمليات انتحارية وإما تلبية لرغبتهن في "النفير" والالتحاق بأزواجهن.
ولكن هروب أروى بغدادي إلى اليمن تاركة زوجها الموقوف، الذي تزوجت منه في السجن، قلب المعادلة وترك علامات استفهام أخرى حول هذا التفسير.
ما لفت النظر، أكثر، للأمر الذي لطالما أشارت إليه الداخلية في بيانات سابقة، حول استغلال "دعائي" تحريضي سيئ من قبل هذه التنظيمات لطبيعة المجتمع السعودي وخصوصيته المحافظة فيما يتعلق بالمرأة.
والمُلاحَظ هنا، نقطة تحول مهمة في عمل القاعدة، تجاه السعودية. فعوضًا عن أن يكون العمل الدعائي، أو ما يسمى "الجهاد الإعلامي" في خدمة العمل الميداني، بالتحريض والدفع المباشر لساحات القتال.
يحدث العكس مع هذا التهريب والاستقطاب، ليكون العمل الميداني في خدمة الدعائي، الذي "يعتقد" أن النساء والأطفال، ورقة مؤثرة للضغط والتأثير الشعبي.
إضافة إلى ما يمكن ملاحظته، أيضًا، في تحول لغة الخطاب الإعلامي القاعدي، منذ بدايات ما يسمى "الربيع العربي" من خلال معرفات تويتر ومقاطع يوتيوب التي أثرَت كثيرًا، بحسب بعض الإعلاميين، من الأجواء الثورية والحقوقية.
فلم يعد من المستغرب أن تُستبدل لفظة "أمة" بلفظة "شعب" إضافة لاستبدال فتاوى التكفير بتعابير حقوقية من نوع "حقوق الإنسان" و"المعاهدات الدولية".
مع التشديد على تدوير تعابير ومقاطع مصورة، موجّهة لاستغلال "الحميّة القبلية" أو"الغيرة الدينية" أو"العاطفة المذهبية".
وكل ذلك بغرض " استقطاب الشباب وزرع الفتنة والتحريض من الداخل"، وفقا لرأي كثير من الكتاب.
وبحسب بعض التقارير الإعلامية، فإن "الجهاد الإعلامي" تفوّق، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، في تقديم صور إعلامية أبعد ما تكون عن الواقع، وفي جمع الأموال، واستقطاب كثير من الدعاة، منذ أن أصبح يُدار بشكل شبكي بعيدًا عن المركزية.
ما يفسر هذا الحرص من قبل القاعديين على جعله أولوية قصوى، ومن جهة أخرى يفسر الأعداد المتزايدة من الشباب للالتحاق بهذا الفكر.
ما يؤكد مجددا، التغوّل الإعلامي للفكر القاعدي، بحيث بات لكل دولة خطاب يتماشى مع ظرفها والخصوصية الثقافية لشعبها. حتى أن الاستقطاب وصل لأقصاه، بالتأثير في فتيات وشباب مراهقين غربيين للقتال في سورية.
إذ تشير تقديرات استخبارية إلى أن نحو ثلاثة آلاف غربي، يشاركون ضمن أكثر من 11 ألف أجنبي التحقوا بالمقاتلين في سورية. وتقول مراكز دراسات أوروبية، إن الأغلبية العظمى من المقاتلين الأجانب ينضمون لتنظيم "داعش"، وجبهة النصرة.
وهذا ما دعا الملحقيات السعودية في الخارج، قبل يومين، للتحذير من "المحرضين".
وقبلها الدول الأوروبية التسع المعنية بملف "المقاتلين الأجانب" في سورية، لعقد أربعة اجتماعات كان آخرها في 8 أيار (مايو) الجاري في بروكسل بحضور ممثلين عن الولاياتالمتحدة.
إضافة إلى تركيا والأردن (باعتبارهما دولتي معبَر للمقاتلين) والمغرب وتونس (باعتبارهما دولتين مُصدّرتين للجهاديين).
في محاولة للحد معا من توجه مقاتلين أجانب إلى سورية.
وتقتضي نقاط المؤتمر، وفقا لما تناقلته وكالات الأنباء، محاربة شبكات التجنيد التي تستخدم الإنترنت، وتبادل المعلومات عن الأشخاص المشتبه بهم، ووضع العائدين تحت المراقبة. حيث قال الوزير الفرنسي "يجب أن يكون هناك حزم مع جميع الذين يلتزمون بالعمليات الجهادية وهم على الأراضي الوطنية وكذلك عمليات التجنيد أو تنظيم العنف".
يُذكر أن كثيرا من الدول بدأت، أخيراً، تجرّم "الجهاد الإعلامي"، فمنذ شهرين فقط، دانت محكمة فرنسية، لأول مرة، مواطنًا يُشتبه بتورطه في إدارة موقع إلكتروني ينشر فكر تنظيم القاعدة، بتهمة "التحريض على الإرهاب" و"الجهاد الإعلامي"، وفق تقارير صحافية فرنسية.
وهو السياق ذاته، الذي اختلفت بشأنه بريطانياوأمريكا في تشرين الأول (أكتوبر) 2010، إذ كانت بريطانيا تحث أمريكا على التعامل بحزم أكثر مع هذه المواقع، "رغم قضايا حرية التعبير"، بحسب تصريح وزيرة الأمن البريطاني "بولين نيفيل" لوكالة رويترز، إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما دافعت، حينها، عن نهجها باعتباره يعبر عن التوازن المناسب بين المصالح المتنافسة، ومنها استخدام مثل هذه المواقع كمصدر للمخابرات وكنموذج لحرية استخدام الإنترنت الذي يمكن أن يقلل في نهاية المطاف من التطرف السياسي العنيف، وفقا لتصريح الإدارة الأمريكية.
ولكن الوقائع والمؤتمرات والتقارير اليوم، تثبت فشل الرؤية الأمريكية، كما تثبت تزايد التطرف والإرهاب، وتحوله إلى صيغ ومجالات أخرى "دعائية" خطرة، ما يبرر القلق الدولي المتنامي، ودعوات الكثيرين، للتعامل بحزم مع هذه الشبكات، و"أخذ ما يطرح فيها على محمل الجد"، كما جاء في بيان الداخلية السعودية.