قبل ما يربو على العشرين عام كنا في الجنوب نهتف بالوحدة اليمنية ونصفق لكل من يلهج بذكرها كانت شعاراً مقدساً نتلوه مع كل صباح ويتسابق كل منا ليعتلي منصًّة الطابور الصباحي ، كانت الوحدة مفتتح لكل المحاضرات والندوات والمهرجانات والأفراح .. وكان السياسيون الكبار والصغار يبالغون في تفخيمها وتمجيدها وتعظيمها حتى بتنا نتخيَّلها جنة أرضية سنسعد ونستمتع بها جميعاً في ظل عيش رغيد آمن ومستقر .. كنا جميعاً نتصور هذه الوحدة شيء آخر لامثيل له في دنيانا، فبقينا نرتلها نشيداً يومياً لا يضاهيه نشيد ،أحلامنا فيها كانت كبيرة فلقد رسَّخ السياسيون الممسكون بزمام الأمور آنئذِ في أذهاننا أن الوحدة قدرنا ومصيرنا وإن يوم عزتنا هو يوم توحدنا ومع اقتراب هذ اليوم كانت تكبر أمالنا وتتوسع أحلامنا فبوغتنا بيوم 22مايو 1990م فهلَّلنا وانطربنا وفرحنا لأشهر معدودات وبعدها بدأت الخيبات والانكسارات تتوالى علينا سراعاً وإذا بنا الجنوبيون أمام مكر القوى الظلامية في الشمال نحتسب يوم الوحدة بيوم النكبة بل أن نكبة حزيران 1967م نراها أخف وطأة لأنها اقتصرت على احتلال إسرائيل لأجزاء من أطراف مصر وسوريا العزيزتين علينا . لقد كانت ومازالت نكبتنا نحن الجنوبيين أكبر لأن نظام صنعاء شن حربه العدوانية في عام 1994م ضد جنوبنا واستباحته من أقصاه إلى أقصاه وأستولى على كل المقدرات ونهب الثروات وأحرم الشعب الجنوبي من كل حقوقه وأكثر من ذلك بشاعة لجوء هذ المحتل المتعجرف لأساليب لم يصل إليها إلهام اليهود في تعاطيهم مع الشعب الفلسطيني المناضل من اجل استرجاع أرضه المغتصبة . فهؤلاء المحتلين اليمنيين المسمين أنفسهم بمسلمين فعلوا بحق الشعب الجنوبي مالم يفعله اليهود بحق أبناء شعب فلسطين وإن كنت مخطئاً فدلوني على مخيَّم عزاء واحد ضربه الإسرائيليون بالدبابات وأحالوا أناسة إلا أشلاء كما فعل هؤلاء الإعراب الذين يتباهون بالدين والدين منهم براء . إن هؤلاء المحتلين الجاثمين على أرضنا ليست نيتهم تتمحور فقط في كيفية استمرار احتلالهم لبلدنا بل أن طموحهم تعدَّا ذلك إلى حد التفكير باقتلاعنا كبشر من على أرضنا والأدلة على ذلك إنهم يقتلون شبابنا وكوادرنا يومياً ويضربون مدننا دون تمييز بين طفل وامرأة وشيبه وبلغ بهم المكر أن يحولوا الساحة الجنوبية إلى ساحة اقتتال بين جهات هم أنشئوها والممولون لها بالمال والعتاد وذلك كله من اجل أن يدمروا البُنى التحتية الجنوبية ويقتلوا أكبر عدد ممكن من أبناء الجنوب ولتتويه البقية الباقية في دوامة صراعهم المفتعل ، ولكن هيهات أن يتحقق لهم مرادهم فشعب الجنوب أقدر على إفشال مثل هذه المخططات واستعادة وطنه وإقامة دولته المستقلة ،وعلى المحتل الذي يراهن على عامل الزمن لكشط القضية الجنوبية أن يعي جيداً أن هذا العامل طال أم قصر لن يلغي حق شعب قدره أن يستعيد أرضه بأي ثمن .