أجزم بالقول بأن الواقع المؤلم الذي فرضه المحتل في جوانب حياتنا قد صيرَّ الكثير منا مجانين فعلاً ، لكن ليس أجمعنا بمستوى واحد من الجنون الذي أعتدنا تمييزه بتعرِّي بدَن صاحبه من اللباس الساتر للعورات والصراخ الهائج والهمهمة المُحيِّرة واقتراف الأفعال المربكة لمن يظنُّون أنفسهم عقلاء 100% نعم أجزم بأن كثير منا مجانين لكن ليس بوتيرة واحدة بسبب من هذا الواقع الحقير الذي فرضه علينا هذا المحتل الغاصب لأرضنا الذي عجز عن ترويضنا لعبوديته بالقوة فسعى بكل مالديه من الحيل الإبليسية لابتداع طرائق قذرة ليُمزِّقنا إلى إرب وأشتات بأساليب احتوائية لامثيل لها وأولها إشغالنا بهم العيش اليومي وكيف نعيش في ظل تحكُّمه بمداخيلنا وتصرفاته العابثة بثروات بلدنا الهائلة والتي لا يعطي منها لبعضنا إلا بما يشبه التقطير البطيء من حنفية لا تروي عطش الضمان ، فيما يصُب (الماء) مدراراً من هذه الحنفية وبلا حدود لجحافله وللقلة من أعوانه المرتهنين أنفسهم لسياساته .. وتكمن المفارقة جليَّة هنا بفارق الكيل النقدي المذهل حيث البعض يغرف له ( بغرافة الشِّيول ) والبعض الآخر يصرف له بملء(ملعقة سعة خمسه سيسي) وهناك أغلبية غالبة من أبناء الجنوب محرومة تماماً من التقطير البطيء ومن كل أحجام (الملاعق) !! ولكم أن تتخيلّوا حال الذي معاشه الشهري عشرين ألف ريال والذي دخله الشهري مئات الآلاف والذي لا يملك معاش شهري بالمطلق شأنه شأن الصومالي الطريد !! . ثم الأخطر والأفدح من هذا كله ما يمارسه هذا المحتل وأزلامه لتفتيت المجتمع الجنوبي عبر التلغيم الناسف للوئام الاجتماعي بواسطة ضعفاء النفوس الذين أوكلت لهم أدوار زرع الفرقة وإذكاء نوازع التنابذ والتصارع والإصطراع !! وشحن البُلهاء والسخفاء لقتل بعضهم بعضا وتهيئة الساحة الجنوبية لتكون ساحة اقتتال لعصاباتهم الإجرامية لتتويه الجنوبيين وتيئيسهم من استعادة وطنهم ، ولكن هذه الأفاعيل الاحتلالية مآلها الفشل في خاتمة المطاف طالما الشعب الجنوبي يزداد تماسكاً كلما أنكشف مندس في صفوفه أرتمى في أحضان الاحتلال حتى وإن غالبته الحيرة لقليل من الوقت وبخاصة عندما يكون من هؤلاء المنبطحين عند أقدام المحتل ممن كانوا محتسبين من القيادين !! ومهمة التأكيد هنا أن القيادي المدسوس خطره يكمن في بقائه متخفِّياً أما انكشافه فلا مضرة منه لأن الشعب الذي رفعه قادر على كسر تطاوسه ورميه في مزبلة التاريخ ، لأنه دائماً وأبداً الشعوب هي التي تمسك بزمام التاريخ وتطوِّعه لإرادتها ودائماً وأبداً الأفراد الذين يعاكسون إرادة شعوبهم يبقون أصفار من على الشمال !! فلا تأبهوا بالأصفار التي تأخذ مكانها على شمال الرقم (0001) . بقى أن نعود بقليل من الكلام إلى مقدمة الموضوع لنسأل : هل صحيح بأننا نعاني من الجنون بفعل هذا الواقع الاحتلالي الذي شبكنا بكل هذه المتناقضات القذرة ؟! أقول نعم مامن أحد منا إلا وبه نسبة من الجنون ومستوى التحمُّل متفاوت بحسب قدراتنا العقلية ، لكن الأرجح والمحتَّم والمؤكَّد أن جنوننا لن يكون كما يتمناه أعدائنا وإنما كما نريده نحن فمنتهى صبرنا وتحمُّلنا سيكون من النوع الذي لم يألفه هذا المحتل البليد وإن غداً لناظره لقريب .