لا يختلف أحد على أن الماء والهواء من ضروريات إقامة الحياة على وجه الأرض , وعدم توفرهما بشكل صحى يعنى القضاء على جميع أشكال الحياة على سطح هذا الكون , ولست هنا بصدد التحدث عن أهمية المياه في حياة الإنسان وباقي الكائنات الحية , فجميعُنا يعلمها جيداً سواء عن طريق العلم والدراسة أو عن طريق الاحتياج لها بالفطرة , ولكنى أتحدث الأن عن مشكلة تعانى منها معظم محافظات مصر ولا يُعرف حتى الأن أسبابها ولا كيف سيتم مواجهتها وإيجاد حلول مناسبة لها , تلك المشكلة هي مشكلة انقطاع المياه عن تلك المحافظات بقراها ومراكزها لفترات طويلة تتراوح ما بين 20 يوماً الى 30 يوماً في البعض منها وقد تتعدى تلك المدة بمراحل في البعض الاخر حتى اصبح انقطاع المياه حقيقة لا مفر منها. فالعديد من محافظات مصر تعانى من هذه المشكلة منذ فترة ليست بالقليلة , مثل محافظات مطروح ودمياط والفيوم والدقهلية والوادي الجديد وبنى سويف والغربية , تلك المحافظات أصبحت أمام أزمة بلا حل , ومسؤولين بلا أذان , حيث تجمهر أهالي تلك المحافظات أمام أبواب دواوين مسؤوليهم ليعبروا عن ألمهم وسخطهم من قسوة الحياة بدون نقطة مياه صالحة للشرب ولا مجيب , حتى أصبحوا أسرى للسوق السوداء التي تبيع لهم المتر المكعب الواحد من المياه بسعر 65 جنية بدلاً من 60 قرشاً للمتر المكعب الواحد بالأسعار الحكومية المدعمة . وإذا ابتسمت لهم الأيام وعادت اليهم المياه التي يتم ضخها من خلال عمليات المياه الرئيسية يفاجئون أنها مياه لا تصلح للاستخدام الآدمي بسبب زيادة نسب المنجنيز والحديد أو تداخلها بشكل غير إرادي مع مياه الصرف الصحي . الغريب أن وزارة الصحة والبيئة قد أعلنت في تقاريرها الرسمية أن محافظات مصر بها نسب عالية جدا من التلوث، وأشارت الى أن محافظة البحيرة تتصدر أعلى نسب التلوث حيث وصل فيها إلى 34،2% من المحطات المرشحة وتلوث بلغ 18% من مخرج المحطات المباشرة، ثم محافظات كفر الشيخ وبني سويف وأكد التقرير أيضا أن مياه الشرب تخرج ملوثة من مخرج محطات المعالجة نفسها وقبل أن يتم تلويثها بواسطة الشبكة، كما أشار التقرير إلى انتشار حالات التسمم بين قرى مصر المختلفة. كما أصدرت المنظمة الدولية لحقوق الإنسان تقريرا يفيد أن مدينة قها التابعة لمحافظة القليوبية هي الأولى على مستوى العالم في عدد الوفيات الناتجة عن أمراض الفشل الكلوي والكبد نتيجة اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، مما يجعلها المياه الأسوأ على مستوى العالم وبالرغم من أن التقرير صدر عام 2011، إلا أن أهالي مدينة قها يؤكدون أن الوضع باقٍ على ما هو عليه في السابق . والأغرب أننا دائما نتساءل عن الأسباب التي جعلت مستشفياتنا مملوءة عن اخرها بمرضى الفشل الكلوي والكبد والسبب معروف للعامة قبل الخاصة , الأمر يا سادة يحتاج الى وقفة حقيقة , يحتاج الى نظرة عطف لهؤلاء البشر , فأرواحهم متعلقة برقابكم الى يوم الدين , أبدأوا في اصلاح ما أفسدته السنوات العجاف , أعيدوا الحياة لأطفالنا بنقطة مياه أدمية تحميهم من الأمراض والأوبئة ولامجال هنا أن نتحدث عن موازنات ومصادر تمويل وصعوبات ومشاكل , فكل تلك العقبات لابد أن تتلاشى عندما نتحدث عن حياة المصريين .