في مقالة سابقة قبل أكثر من عام تقريباً كنت قد حذرت القيادات الجنوبية مما سميته حينها ب " جور الزمن " و " عبث الأقدار " ..! وكنت في ذلك الحين أشاهد العجب العجاب فيما كان يتوالى تباعاً أمام أعيننا من انهيارات غير متوقعة – ولا في الأحلام – لأنظمة عربية عتيدة طالما وصفت بأنها مستقرة وأقوى من الفولاذ ! وكان على قمتها رؤساء دول يحاكون الأهرامات في الثبات والفراعنة في الغطرسة والغرور .. لكن الزمن وما أدراك ما الزمن , كان له رأي آخر إذ عصف بهم جميعاً بين عشية وضحاها ، فتحولوا " فجأة " إلى تاريخ مكتوب . واليوم .. وحتى نكون شجعان وواقعيين علينا أن نتحدث بصراحة ووضوح , ونؤكد على أن " العبث " اللامحدود من قبل أغلب " القيادات " فيما يخص عملهم وواجبهم الوطني كقادة شعب ومسؤولي مرحلة تاريخية كان أكثر من العبث نفسه .. بل أن العبث إن نطق وتكلم لاشتكى من تجاوزاتهم لحدوده ولمفاهيمه الخاصة التي عبثوا بها في نطاق عبثهم بكل شيء يخص قضيتنا المقدسة ! .. لقد كان الاستخفاف والاستهتار وعدم تقدير الأمور حق التقدير هو السمة الرئيسية المصاحبة لكل مرحلة كانت تلوح فيها بارقة أمل تجاه إنجاز الاستحقاق الوطني الأهم والأبرز المتمثل في " وحدة القيادة " و " وحدة الرؤية السياسية " و " وحدة البرنامج العملي " النضالي لمواجهة حقنا المشروع في الاستقلال وبناء الدولة الجنوبية الحرة المستقلة التي ينشدها كل جنوبي شريف في أي مكان على وجه الأرض , والتي من أجلها ضحى آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى بأعز ما يملك الإنسان وهو الحياة التي وهبها له المولى عز وجل . في يوم 13 يناير الماضي – يوم التسامح والتصالح – وجه شعب الجنوب لقياداته رسالة قوية ، بل " صفعة مؤلمة " تجسدت في تلك الساحة التي طالما كان الحضور فيها مصدر فخر واعتزاز لنا جميعاً , لكنها بالأمس أيها السادة لم تكن كذلك !! ... لقد أراد الشعب المناضل .. الصامد .. المرابط أن يقول للقيادات جميعها عبارات واضحة من قبيل : لقد سئمنا عبثكم اللامحدود ! ولقد ضقنا ذرعاً بقلة حيلتكم وضيق أفقكم ولقد أرهقتنا وأهلكتنا واستنزفت طاقاتنا خلافاتكم هذه التي لا يبدو لها نهاية !! .. لقد أخجلتمونا أمام العالم الذي يتذرع بها علينا للهروب من مساندة حقنا المشروع , فيرجع ذلك لكم من حيث عدم مقدرتكم على الظهور بمظهر المسؤولية الذي يمكنه أن يطمئن العالم من حولكم تجاه قدراتنا على بناء دولة وطنية حديثة مستقرة .. تحقق الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الجغرافية الهامة جداً من العالم . لقد كرهنا " الميكرفونات " بسبب خطاباتكم المكررة الجوفاء .. لم تستطيعوا أيها السادة إيجاد قواسم مشتركة فيما بينكم وأنتم جميعاً تطلقون على أنفسكم " قوى التحرير والاستقلال " .. !! فإن كنتم حقاً كذلك .. فما هو السبب الحقيقي الذي تمكن من عقباتكم وأعاقكم عن خلق وعاء سياسي واحد تجابهون به العالم المتلاطم من حولكم وأنتم جميعاً متفقون على هدف التحرير والاستقلال ؟!! .. هل السبب يعود إلى تباينات واختلافات حول بعض " المفاهيم " و " المصطلحات " كما تقولون ؟!.. تباً لها من مفاهيم وتباً لها من مصطلحات هذه التي تتذرعون بها علينا ولا تقنع حتى أطفالنا ! .. لقد أضحكتم العالم من حولنا علينا وعلى تفاهتنا وقلة حيلتنا وعدم مقدرتنا على تجاوز هذه " المعضلة " الكبيرة كبر الجبال في عقولكم والصغيرة جداً أمام العقول الراجحة المسؤولة . لقد كان الله عز وجل كريماً إلى أبعد الحدود مع شعبنا حينما هيأ له الفرصة تلو الأخرى , وهيأ له ظروفاً لم تكن في الحسبان لأحد منا أنها ستكون كذلك ..! ولكنها من كرم الله علينا تحققت وتحولت إلى واقعاً معاشاً تتنظر منا أن نستثمرها ونوظفها أحسن توظيف لصالح أهدافنا الوطنية الاستراتيجية ولكننا لم نفعل ! .. وبقدر هذا " الكرم الرباني " مع شعبنا وقضيته العادلة كان هنالك " بخل إنساني " من قيادات الجنوب وعمى بصيرة وقلة حيلة , حتى أن المبالغة في إيجاد متواليات من الخلافات والشقاقات باتت سمة من سماتنا , وباتت الخصومة الحادة مع فضيلة وأهمية " الحوار " صفة تغلب على سلوكنا بشكل عام , أما الحديث عن مفاهيم " الاعتراف بالآخر الجنوبي " فليست سوى ترف سياسي يمكن أن يجد لها مكاناً في مقابلة صحفية لأحد منا , ولكنها من المحرمات في السلوك العملي حينما تحين ساعات العمل من أجل الوطن ومن أجل هذا الشعب المنكوب بعقلياتنا المريضة !! نحن ندرك تماماً أننا في مواجهة دول احتلال ذات إمكانيات كبيرة تعمد إلى تسخيرها في معركتها السياسية معنا , وندرك بذات القدر أننا أيضاً في مواجهة دول كثيرة لا ترى – حتى الآن – ما يمكن أن يشجعها على الوثوثق بنا أكثر من ثقتها بمن يدير الدولة من صنعاء حالياً .. هذه أسباب ربما تكون قد تسببت في كل هذا الإرباك الذي نعيش فيه الآن , ولكنها – بكل تأكيد – ليست حجة ولا ذريعة يمكن أن نبرر بها إخفاقنا الكبير أمام شعبنا العظيم . الفرصة لازالت سانحة أيها السادة الأفاضل , ولازلت آمل أن تكون " صفعة " يوم 13 يناير 2015 قوية بما يكفي لكي يستفيق " السكران " من سكرته ويدرك ما حوله ومن معه ومن هو ضده بدقة متناهية تتغلب على " العمى " الذي طبع بصيرته خلال المرحلة الماضية .. وهنا اتخاطب مع الكل بلا استثناء ممن نسمي أنفسنا بقوى التحرير والاستقلال ... إنها " صفعة " يمكن أن تكون مؤلمة ولكنها – بكل تأكيد – ليست قاتلة ! . . إنها تستدعي منا اليقظة والانتباه والمسارعة للخروج من حالة العبث التي نعيشها والدخول الفوري في مرحلة جديدة من " الجدية " و " المسؤولية " .. وأقسم برب محمد بن عبدالله أنه لو وجدت لدينا " المصداقية " و " المسؤولية " و" الإرادة " لما وقفت في طريقنا أي عقبة إلا وتجاوزناها بكل سهولة ويسر .. مرة أخرى لازالت الفرصة مواتية فلا تدعوها تمر حتى لا يأتي يوم نبكي فيه عليها كما تبكي النساء ... ثم ننتحب لاحقاً على وطن أضعناه ولم نحافظ عليه كما يجب أن تفعل الرجال .. !