تفيد التقارير الواردة من الأراضي المحتلة بأن ثلث إسرائيل قد تم تدميره وأن عشرات الآلاف من المستوطنين الصهاينة قد غادروا الكيان إلى خارجه بعد أن شعروا بأن ليس لهم موطن فيه كما فقد الآلاف منازلهم فضلا عن الذعر والخوف اللذين أصابا سكان الكيان وظلوا طيلة أيام الحرب في الملاجئ، وهذا يحدث لأول مرة منذ تأسيس ما يعرف بإسرائيل قبل سبعة وسبعين عاما رغم المواجهات التي كانت تحدث بين الجيوش العربية والجيش الصهيوني خلال العقود الماضية والتي كانت تنتهي بانتصار بني صهيون على العرب جميعا ومن ثم تملي إسرائيل عليهم شروطها عند ايقاف الحرب وهي محتلة لأراضيهم، ولم يحدث ولا مرة واحدة أن تم نقل المعركة إلى العمق الصهيوني كما فعلت إيران الأمر الذي جعل نتنياهو يطلب من الرئيس الأمريكي ترمب أن يعمل على وجه السرعة على إيقاف إطلاق النار لأن إسرائيل لن تتحمل عبئ هذه المواجهة مع إيران لو امتدت لأيام إضافية وقد استجاب ترمب لاستجداء نتنياهو وطلب من دول عربية وغير عربية التواصل مع إيران للموافقة على إيقاف إطلاق النار، وحتى يحفظ ماء الوجه لقيادات الكيان الصهيوني فقد أستغل ترمب الضربة التي قامت بها أمريكا للمنشآت النووية الإيرانية وجعل منها سببا لاشتعال المواجهة بين إيران وإسرائيل مدعيا أنه قد تم تدميرها بالكامل ولم يعد هناك خطر إيراني على إسرائيل واعترف ترمب بأن إيران حاربت بشجاعة وتضررت إسرائيل بشدة من ضرباتها. لكن الحقيقة بالنسبة للبرنامج النووي تختلف تماما عما يدعيه ترمب الذي جن جنونه عندما كشفت وسائل الإعلام الأمريكية إدعاءاته وقالت بأنها زائفة فشن هجوما عليها وفي مقدمتها شبكة سي إن إن حيث وصفهم بالفاشلين والكاذبين وأنهم قمامة وقاذورات على حد تعبيره ومع ذلك لا يزال يصر ترمب على تحقيقه نجاحا كبيرا في إيران فلم يدع فرصة أو مناسبة إلا وتحدث بإسهاب عما يعتبره نصرا ونجاحا مما يؤكد إن تصريحاته المتتابعة هي تغطية لفشله وفشل القوات الأمريكية التي قصفت قاذفاتها الحديثة جبالا لم تستطع اختراقها إلى العمق وصولا لتدمير المنشآت النووية، أما المسؤولون الصهاينة فيزعمون أن وقف إطلاق النار مع إيران يندرج ضمن مبدأ الهدوء مقابل الهدوء دون تفاهمات بشأن برنامج إيران النووي معبرين عن تخوفهم من المرحلة القادمة وأن إيران لازالت تشكل خطرا على إسرائيل ومؤكدين في نفس الوقت أن القصف الأمريكي والإسرائيلي للمنشآت النووية قد أخر البرنامج النووي عدة أشهر ولم يعطله ولذلك فإن إيران قادرة على صنع قنبلة نووية إذا ما قررت ذلك. الغريب والعجيب الذي كشفته المواجهة بين إيران وإسرائيل أن الأنظمة العربية وحكامها وحتى الشعوب التي أصبحت مخدرة بما يمليه عليها الحكام يعتقدون إن تبني إيران الدفاع عن القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانب المقاومة في قطاع غزة قد أعفاهم من تحمل مسؤولياتهم والدفاع عنها كون القضية الفلسطينية عربية بالدرجة الأولى قبل أن تكون إسلامية، فتجاهلوها تماماً وذهبوا مسرعين للتطبيع مع إسرائيل بل وتقديم الدعم لها في حربها مع المقاومة في غزة بشكل مباشر عسكريا واقتصاديا عبر جسر بري يمر عبر الإمارات والسعودية والأردن، أما المملكة المغربية فقد شاركت في الحرب مع إسرائيل ضد المقاومة في غزة حسب المعلومات المتداولة بخمسة آلاف من جنودها في مقابل اعتراف أمريكا وإسرائيل بالسيادة المغربية على الصحراء الكبرى، كما أنها تقوم بتموين السفن الإسرائيلية في موانئها وتسهيل العبورلها مما سبب إحراجا للجزائر وأسبانيا متناسين أي العرب أن قضية فلسطين هي قضيتهم الأولى والمركزية وهم من فرطوا فيها ولم يحافظوا عليها عندما كانت تحت إدارتهم ولا دافعوا عنها بل ولا سمحوا للفلسطينيين بأن يقيموا عليها دولتهم المستقلة، كما يطالبون اليوم بحل الدولتين، وأما ما تقوم به إيران من تبني لقضية فلسطين والدفاع عنها فذلك تكرما منها وليس ملزما لها وإن كانت تعتبر ما تقوم به واجباً دينياً كونها دولة إسلامية. صحيح أن إيران تأثرت كثيرا من جراء الضربة الأولى التي قامت بها إسرائيل لمنشآتها النووية والمدنية واغتيال قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين، وكذلك تأثرت أيضا من قوة الاختراق لمؤسساتها وخاصة الأمنية منها من قبل العملاء والجواسيس المرتبطين بالموساد الصهيوني، وهو ما يؤكد حجم المؤامرة الكبيرة ضدها وضد نظامها حيث كان الهدف إسقاطه كما أكد ابن شاه إيران السابق الذي كان ينتظر تنصيبه امبراطورا جديدا لإيران وعندما فشلت الخطة سارع إلى توجيه نقدا شديدا لترمب ونتنياهو وإلغاء متابعتهما من صفحته زاعما بأنهما خدعاه، لكن بفضل تماسك القيادة الإيرانية والتفاف الشعب الإيراني حولها وحتى المعارضة للنظام في الداخل والخارج وقفت إلى جانب القيادة ضد المعتدين على السيادة الإيرانية استطاعت إيران أن تثبت أنها الأقوى في المنطقة بفضل الله ثم بفضل اعتمادها على نفسها، وعلى قدراتها العسكرية المصنعة محليا ففاجأت العالم بأكمله بردها القوي على الكيان الصهيوني بعد امتصاصها للضربة الأولى التي كان يعتبرها البعض ضربة مميتة لو وجهت لدولة أخرى لن تقوم لها قائمة، وقد أجبرت إيران من خلال ردها القوي قادة الكيان الصهيوني للمطالبة بوقف إطلاق النار، وما فعلته خلال إثني عشر يوما من تدمير لمدن الكيان وضرب أهدافه الحساسة جعل الصهاينة مذهولين مما حدث لأنهم تعودوا مع العرب على حروب خاطفة كانت تنتهي دائما لصالحهم، ولا ينعكس تأثيرها السلبي على الجبهة الداخلية، وكذلك لا تمتد إلى كل أنحاء المناطق المحتلة، كما حدث أثناء مواجهتها مع إيران حيث أصبحت الملاجئ مأوى للشعب الإسرائيلي والقيادة ولكل المقيمين في اسرائيل من الأجانب بدليل شهادة السفير الأمريكي لدى الكيان الصهيوني الذي صرح بعد اعلان وقف إطلاق النار بأنه ولأول مرة ينام نوما رائعا بعد أسابيع من الركض إلى داخل الملاجئ. ونعتقد أن أمام إيران حاليا فرصة لا تعوض لتنظيف مختلف مؤسساتها من العملاء والجواسيس الذين تمت زراعتهم فيها منذ عدة عقود ولم يتم اكتشافهم ربما بسبب التقصير الاستخباراتي أو لوجود التعامل معهم بحسن نية ولم يدر بخلد السلطة بأن هؤلاء سيكونون في يوم ما جواسيس وعملاء يعملون مع أعداء إيران ضد ثورتها الإسلامية.