عقد اجتماع طارئ مجلس التعاون الخليجي على مستوى الوزراء في الرياض واستغرق مدة أطول بكثير من المعتاد. جرت المشاورات قدما حتى النهاية، وبدا المشاركون بحالة عصبية فيها الكثير من التوتر. وفي نهاية النهار أصدر المشاركون المجتمعون بيانا قال: وزراء دول مجلس التعاون الخليجي يطالبون المتمردين الحوثيين بالانسحاب من محيط قصر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وبإعادة الوضع الامني في صنعاء الى طبيعته واخلاء سبيل رئيس الحكومة خالد بحاح اليد اليمنى للرئيس منصور هادي، الذي اختطف من قبل هذه الجماعات قبل ذلك بأيام. حتى أنه في هذه الاثناء، تحول الرئيس اليمني الى سجين في مقر إقامته، وكان يتفاوض مع المتمردين الذين يسيطرون اليوم على 50% من أراضي اليمن. قبل عدة ساعات أصبح واضحا أن عبد ربة منصور هادي، الذي جاء الى السلطة في أعقاب الربيع العربي 2011، لم يتمكن من فرض إرادته على منافسيه، والتسوية التي تم التوصل اليها بين الاطراف تبدو أكثر استسلاما لتقاسم النظام اليمني. ووفقا لما تنقله وسائل الاعلام اليمينة، فإن الحوثيين وافقوا على سحب مقاتليهم من المناطق المطلة على مقر الرئاسة اليمني وقاعدة صواريخ احتلوها في وقت سابق. من جانبه، وافق الرئيس على التعاون مع اللجان الشعبية الحوثية، لإصلاح السلطة الوطنية، وتعديل مسودة الدستور، لفرض اتفاقية السلام والشراكة الوطنية والسعي إلى حل فوري للوضع الأمني في المحافظة الغنية بالنفط مأرب. وباختصار، أربع سنوات بعد انطلاق الربيع العربي، وافق عبد ربه منصور هادي على أمر كان لا يمكن تصوره في وقت سابق وهو تقاسم السلطة مع المتمردين الشيعة، المدعومين بقوة من إيران. الخيار الآخر المتاح كان استمرار القتال مع الحوثيين وربما فقدان تام للسيطرة على البلاد المنفلتة بالفعل. ولم تمر سوى بضع ساعات على ابرام الاتفاق حتى أرغم منصور هادي على الاستقالة مع مجلس الوزراء. وذكرت الصحف المحلية أن الرئيس كان قد فقد السيطرة على وكالة الاستخبارات وعلى القيادة العسكرية التي تعاونت مع الولاياتالمتحدة في الصراع ضد تنظيم القاعدة. لذلك وبغض النظر عن قرار الجيران الاغنياء لليمن الخائفين من أن تقوم بجوار منزلهم قاعدة ايرانية جديدة، فإن الواقع في اليمن يتغير بسرعة كبيرة وتغوص ابلاد في حالة من الفوضى. على مدى عقود لم يكن اليمن أكثر من مصدرا للأيدي العاملة الرخيصة للعمل في دول مجلس التعاون الخليجي، دولة فقيرة ومضطربة، انهارت بسبب الحرب بين الجنوب والشمال. وتحولت في السنوات الأخيرة الى مصدر للتمرد السني الاسلامي فضلا عن نشاط حيوي ايراني بين الشيعة اليمنيين من الطائفة اليزيدية. حدث هذا قبل الاطاحة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح من السلطة عام 2011، والآن بعض الادلة تشير مؤخرا الى بعض الروابط والعلاقات السرية مع الحوثيين. ان عدم قدرة النظام اليمني على السيطرة على مساحة شاسعة من الارض التي أعلنت فيها العديد من المجموعات السلفية-الجهادية أنها أصبحت قواعد لها في محاولة لتحقيق بعض من اتفاق سري مع الحوثيين على الرغم من ارتباطهم مع ايران، فإن الفوضى والفقر المرابطين في اليمن اصبحا كابوسا آخر يقلق الشرق الأوسط برمته - فمن جهة تنظيم "القاعدة" في شبة الجزيرة العربية والدولة الاسلامية، وعلى الجهة الأخرى المتمردون الشيعة، الذين تدعمهم إيران. إذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية موقع اليمن الجغرافي الذي يسيطر على المدخل الجنوبي لبحر العرب، والحدود الطويلة مع المملكة العربية السعودية، فإن الدولة الآن اشبه بحقل ألغام إذ أنه من غير الممكن التحرك بدون مقاصة كل شيء. في الماضي تمكن التدخل العسكري للمملكة العربية السعودية من منع اندلاع الثورة في البحرين، حيث هددت الأغلبية الشيعية بإسقاط الملك. ما من خطر وشيك يتهدد أمن البحرين في الوقت الراهن، خبراء الامن السعوديون أخذوا على عاتقهم، ولكن البلد لا يزال يئن تحت وطأة الاضطرابات. أما بالنسبة لليمن، فنظرا لحجم وتضاريس البلاد، سوف يكون من الصعب على السعوديين التعامل معها كما فعلت ذلك مع البحرين الصغيرة. السعودية بالفعل نالت حصتها من المشاكل مع المتمردين الحوثيين عند حدودها وعانت من خسائر فادحة. التورط العميق في الشؤون اليمنية يبقى مطروحا على الطاولة، لكن يبدو أنه غير مرغوب به بدرجة عالية من البيت السعودي الذي لديه شؤون داخلية - مثل منطقة القطيف في شرق المملكة، ذات الكثافة السكانية العالية من الشيعة- التي يجب عليها الاهتمام بها. على ما يبدو الى الآن، أن دول مجلس التعاون الخليجي غير راغبة في أن تشمر على الذراعين ووضع بعض القوات على الاراضي اليمنية، وهذا ما سيدفع الى التعامل مع التدخل الايراني المتنامي في اليمن ويهدد بفقدان السيطرة على الوضع في البلاد بصورة كاملة. وجاءت وفاة العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز كصدمة تركت اثرها على جميع أنحاء اليمن – فقد كان ينظر إلى الملك الراحل كشخصية سلطة قادرة على القيام ببعض الإجراءات القوية، اما الملك الجديد - سلمان بن عبد العزيز - فهو المسؤول إلى حد كبير عن السياسة السعودية التي فشلت في التعامل مع اليمن ابان توليه وزارة الدفاع على مدى السنوات القليلة الماضية. وللمفارقة، فإن تقدم الحوثيين في اليمن هو أيضا خبر سيئ للمنظمات السلفية-الجهادية التي تنشط في البلاد. وفي حال وقع الحوثيون على بعض الاتفاقات مع السلطة اليمينة المركزية، فإنهم سيكونون محط اهتمام أعداء آخرين مثل "القاعدة" و"الدولة الإسلامية". من المهم أن نؤكد، رغم ذلك، أن الاقتتال الداخلي بين السنة والشيعة لن يساهم بأية طريقة في استقرار الوضع في اليمن، أو في منطقة الخليج العربي عموما- ظروف الاضطراب والفوضى توفر أرضا خصبة للإرهابيين الذين يريدون استخدام الارض القاحلة لضرب المصالح الغربية الهامة (مثل المدمرة USS "كول" في الماضي). أعلن تنظيم "القاعدة" في اليمن مسؤوليته عن تنفيذ اعتداء "شارلي ايبدو" الإرهابي في باريس، ويبدو أنها كانت طلقة البداية فقط. الامر الذي كان في أفغانستان وفي السودان اصبح اليوم في اليمن- مكان آخر ميؤوس منه بعد أن كان مهملا لفترة طويلة جدا من قبل السلطات الخاصة بها ومن الجيران الأثرياء، حتى أصبح متأخرا جدا لفعل شيء حيال ذلك. اما اليوم فينهار اليمن، من قبل الموالين لإيران والسلفيين الجهاديين وهو أمر خطير ليس فقط بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل، وانما للعالم بأسره. عندها سيتم محو الحدود وتجاهل السلطات في هذه الدول، وسيتخذ الجهاد العالمي مواقعه الاستراتيجية الجديدة. الكاتبة كسينيا سفيتلوفا - محللة للشؤون العربية في القناة الإسرائيلية الروسية 9 وعضو في "ميتفيم"- المعهد الإسرائيلي للسياسات الأجنبية الإقليمية