كان إعلان الحوثيين الانقلابي في ال 6 من إبريل الجاري، على الشرعية الدستورية في اليمن، ممثلة بالرئيس والحكومة والبرلمان، كما وضع الرئيس هادي ورئيس حكومته وبعض الوزراء تحت الإقامة الجبرية، بمثابة اغتيال كامل للعملية السياسية، ونسف لكل الاتفاقات التي تمت خلال الأربع سنوات الماضية، الأمر الذي شكل ما يشبه الصدمة -على ما يبدوا- لقادة دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم السعودية، وحصل بموجبها ما يمكن أن نسميه ب "الإفاقة" المتأخرة، بعد غيبوبة دامت طويلاً، نتج عنها بعض الحراك السياسي الذي أفضى إلى تقديم طلب لمجلس الأمن، بغية استصدار قرار بهذا الشأن، وهو ما حصل فعلاً وتم التصويت عليه بالإجماع من قبل كافة الدول الأعضاء. غير أن قرار مجلس الأمن الذي تم التصويت عليه – وكما هي العادة- جاء مغايراً للمسودة التي تقدمت بها دول مجلس التعاون الخليجي، والتي اتسمت بنودها بنوع من الحدة في توصيف ما حدث في اليمن، فعلى سبيل المثال دول الخليج وصفت ما حدث بأنه انقلاب على الشرعية وعلى الرئيس المنتخب، بينما تجنب القرار الأممي ذكر كلمة "انقلاب"، كما حذف بعض العبارات التي وردت في مسودة الطلب مثل تلك التي لها علاقة باقتحام الحوثيين لدور العبادة ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، كما بيوت ومنازل لقادة سياسيين ونشطاء ومتظاهرين ضد الانقلاب الحوثي ... الخ.
والحقيقة أن هذا الأمر لم يكن مفاجئاً لليمنيين على الإطلاق، لإدراكهم الكامل بأن هذا المجلس لن يقدم لهم شيئاً في نهاية المطاف سوى مزيد من الانتكاسات ومزيد من الخراب لبلدهم في حال تدخله المباشر، لأنه ببساطة مجرد ذيل للإدارة الأمريكية أينما توجهه يذهب، وأمريكا لا ترى في المنطقة سوى مصالحها، وماعدا ذلك من كلام منمق حول السلام وحقوق الإنسان والتعايش، فكله كذب وخداع ويصب في خانة الدجَل السياسي ليس إلا، وكل بلد حصل فيه تدخل دولي بقرار أممي تحت البند السابع كان مصيره الخراب والدمار، ولذلك يجب على اليمنيين أن يحذروا كل الحذر من مآلات التدخل العسكري في بلدهم، الذي لن يُفضي إلا لمصير أسود لليمن كما هو الحال في سوريا وليبيا وأفغانستان والعراق والصومال إن لم يكن أشد وطأة، وعلى اليمنيين أن يدركوا جيداً أن حل قضيتهم ليس بيد مجلس الأمن ولا مجلس التعاون الخليجي، وإنما بيدهم هم، لأن كلا المجلسين مجرد تابع للبيت الأبيض، والتابع لا يملك أي قرار بطبيعة الحال.
أرى بأن الحل الأمثل للمخرج من هذه الأزمة هو أن تتوافق قيادات جميع المحافظات التابعة للخمسة الأقاليم اليمنية باستثناء آزال الواقع تحت سيطرة الحوثيين، من قادة سياسيين وعسكريين وقادة أحزاب ومشايخ قبائل وقيادات مجتمعية ... الخ ، ثم تدعوا لعقد مؤتمر استثنائي تحتضنه مدينة عدن، لمدة يومين إلى ثلاثة أيام، وتخرج ببيان تاريخي تعلن فيه فك ارتباطها بالعاصمة صنعاء، وتشكيل تحالف فيدرالي اتحادي يضم الأقاليم الخمسة وإعلان عدن عاصمة لهذا الاتحاد ولو بشكل مؤقت، ومع أن بوادر خطوة كهذه كانت قد بدأت تلوح في الأفق وكان مقرراً لها أن تجتمع في مدينة عدن مطلع هذا الأسبوع، ثم لا أدري بعد ذلك ماهي الأسباب التي حالت دون ذلك.
أعتقد أن إجراء كهذا لا يعد مستحيلاً، بل هو ممكن التحقق على واقع الأرض بسهولة، في حال توفرت الإرادة السياسية الحقيقية، وكانت النوايا صادقة ومخلصة لدى قيادات الأقاليم الخمسة، مع إدراكي بأن ذلك يتنافي مع رغبات الإدارة الأمريكية في اللحظة الراهنة التي بات واضحاً بأنها الداعم الرئيسي للحوثيين، لكن ذلك ليس مهماً بقدار توافق اليمنيين على فعل شيء على الأرض في الوقت الراهن.
وفي حال كتب لهذه الخطوة النجاح داخلياً، وحصلت على التفاف شعبي وجماهيري حولها وهو ما يبدوا لي كذلك على واقع الأرض، فإن ذلك سيكون بمثابة الإحراج السياسي للمجتمع الدولي والإقليمي من جهة والضغط الشعبي من جهة أخرى، وذلك لإجباره على الاعتراف بهذا الكيان الجديد، الذي توافق عليه اليمنيون قاطبة، وفي حال حدث ذلك فإنه سيكون بمثابة ضربة قوية وموجعة للحوثيين، ستحشرهم في زاوية ضيقة على الأرض، مع عزلة محلية ودولية تفرض عليهم قسراً بتكاتف جموع الشعب اليمني وقواه الحية.