سيول الأمطار تجرف شخصين في إب    ساعر: واشنطن لم تبلغ تل ابيب بوقف قصفها على اليمن    تكريم طواقم السفن الراسية بميناء الحديدة    هيئة الرئاسة تقف أمام مستجدات الأوضاع الإنسانية والسياسية محليا وإقليميا    السياسي الأعلى: اليمن يتموضع بقوة في المنطقة ويواصل دعم غزة    السودان.. اندلاع حريق ضخم إثر هجوم بطائرات مسيرة في ولاية النيل الأبيض    صنعاء .. شركة النفط تعلن انتهاء أزمة المشتقات النفطية    لماذا تظل عدن حقل تجارب في خدمة الكهرباء؟!    صنعاء .. الافراج عن موظف في منظمة دولية اغاثية    مطار صنعاء "خارج الخدمة".. خسائر تناهز 500 مليون دولار    اليدومي يعزي رئيس حزب السلم والتنمية في وفاة والدته    إتلاف 600 لغم وعبوة ناسفة من مخلفات مليشيا الحوثي الإرهابية بشبوة    ناطق الحكومة : اتفاق وقف العدوان الأمريكي انتصار كبير لأحرار اليمن    الامارات تقود مصالحة سورية صهيونية    توقف الرحلات يكلف الملايين يوميا..انخفاضٌ بنسبة 43% في مطار اللد    السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" يطلق سلسلة بطولات عالمية جديدة ل"جولف السيدات"    المرتزقة يستهدفون مزرعة في الجراحي    قالوا : رجاءً توقفوا !    باريس سان جيرمان يبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا    . الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويواصل الزحف نحو اللقب السعودي    الكهرباء أداة حصار.. معاناة الجنوب في زمن الابتزاز السياسي    التفاهم بين الحوثيين وأمريكا يضع مسألة فك إرتباط الجنوب أمر واقع    عدن تنظر حل مشكلة الكهرباء وبن بريك يبحث عن بعاسيس بن دغر    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    بعد "إسقاط رافال".. هذه أبرز منظومات الدفاع الجوي الباكستاني    باجل حرق..!    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    التصعيد العسكري بين الهند وباكستان يثير مخاوف دول المنطقة    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور علي السلامي يستعرض رده حول الرؤية السياسية لحل الأزمة اليمنية للرئيس الأسبق علي ناصر محمد
نشر في عدن الغد يوم 03 - 06 - 2016

تلقت "عدن الغد" رداً مُقدماً من الدكتور علي السلامي مدير عام مكتب التعليم الفني والتدريب المهني السابق في محافظة لحج والشخصية الأكاديمية المعروفة الرؤية السياسية لحل الأزمة اليمنية التي طرحها الرئيس الأسبق علي ناصر محمد والمقدمة لسمو الشيخ صُباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة التي تستضيف المشاورات السياسية الجارية بين وفد الحكومة الشرعية ووفد الانقلابيين برئاسة المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، "عدن الغد" تنشر نص الرد:-
في الرد على رؤية الرئيس علي ناصر محمد
د . علي أحمد فضل السلامي
طرح الرئيس علي ناصر محمد، رؤية سياسية لحل الأزمة اليمنية، توجه بها إلى سمو أمير دولة الكويت، البلد المضيف للمشاورات الجارية، بين وفد الحكومة اليمنية و وفد الانقلابيين برئاسة المبعوث ألأممي إسماعيل ولد الشيخ.
مقدمة الرؤية سعت إلى التمهيد لمضمونها، بتقديم قراءات خاصة بصاحبها، لأحداث سياسيه من تاريخ ألدوله ألحديثه في اليمن، و إسقاطها على واقع الصراع السياسي/العسكري الراهن، باعتماد مبدءا القياس، لتبرير ما هو صريح أو مضمر في مضمونها، و لتأكيد صوابيته و إحاطته بأوسع قدر من القبول، أما المضمون ذاته، فيمكن إيجازه في النقاط التالية:
تشكيل قيادة مؤقتة برئاسة دورية لمرحلة انتقالية 2 4 سنوات ، تتولى إدارة الدولة الاتحادية من إقليمين
تشكيل حكومة وحده وطنيه، من مهامها أعاده صياغة مشروع الدستور، التهيئة لانتخابات تشريعيه، و وضع خارطة طريق لما بعد المرحلة الإنتقاليه، وفق المرجعيات المتفق عليها.
نود أن نضع عدة ملاحظات، تهدف إلى تفنيد حيثيات ألمقدمه، و التعبير عن مخاوف محمولة على مضمونها، و المحافظة على نتائج عام كامل من الحوار قبلها،و التأكيد على أن فشل مشاريع التنمية، و معه أتساع دائرة الفقر يمثل 'أس' مشكلات اليمن في عموها، و ليست السياسية.
تفنيد المقدمة :
1 تخاطب الرؤية سمو أمير الكويت، الدولة المضيفة للمشاورات، مراهنة على مواقف سابقة لهذا البلد الشقيق، من الأزمات اليمنية الكبرى في الشطرين، أتسمت بالاستقلالية والتوازن في العلاقة مع اليمن ومع السعودية وفيما بينهما، لكنه رهان على حقبه سياسية و ديبلوماسية لا تملك دولة الكويت ترف العودة إليها، منذ الغزو العراقي لأراضيها و موقف السعودية منه، فضلا عن اتخاذ موقف يتمايز عن هدف السعودية المعلن من دخول الحرب في اليمن.
2 انشغلت ألمقدمه باقتفاء أثر تماثلات شكلية، للصراعات السياسية منذ ثورة سبتمبر 62م و حتى اليوم، تقوم على نظره تجريديه للأحداث، تفرغها من مضمونها و أهدافها، و قيمها السياسية و الإنسانية، و تتجاهل طبيعة القوى المتصارعة و شرعيتها، و علاقتها بالخارج. و لتأكيد قولنا هذا، نعرض الأمثلة التالية :
حرصت الرؤية على تفريغ الحرب الراهنة، بين السلطة الشرعية و الأماميين الجدد (ميليشيات الحوثي)، من كل المبادئ السياسية و القانونية و القيم الأخلاقية التي تؤطرها، حيث تقول لابد من " وضع حد للمزايدين و المتطرفين من تجار ودعاة الحرب من كل الأطراف "، و لجعل فراغ القيم و الفضائل أصيلا و تاريخيا، في الصراعات السياسية اليمنية، فأن الرؤية تعزي فشل مؤتمر حرض العام 65م، للمصالحة بين الجمهوريين و الأماميين القدامى إلى ذات العوز ألقيمي لدى النخب، حيث تقول " أن تجار الحروب لم يكونوا يريدون نهاية لتلك الحرب التي تحولت إلى مصدر للثراء و الرزق على حساب مصر و السعودية".
أن اتهام السلطة الشرعية في اليمن اليوم، بأحقر نماذج الفساد السياسي 'تجارة الحرب'، هو أشد أنواع الإساءة والأذى الذي يمكن أن يطالها، و وضع الأماميين الجدد، في موازاة السلطة الشرعية و رموزها، و الدولة و مؤسساتها، هو ذروة التجديف السياسي، كما أن التهوين من قدر ثورة سبتمبر و دورها الوطني، و من مكانة رجالاتها ، بل و خدش كرامة الشعب اليمني، الذي التف حولها و دافع عن أهدافها، هو ذروة التخفف السياسي و التسطيح المعرفي. .
من أجل تكريس حالة اليأس، لدى دول التحالف العربي و ترهيبها، من إمكانية كسر الانقلابيين عسكريا، و جعل أمر إزاحة الرئيس الشرعي هادي، عن المشهد السياسي مقبولا، تستدعي الرؤية أحداث العام 62م ، حيث تقول " تصور البعض في بداية الحرب في اليمن عام 62م ، أنها لن تدوم أكثر من أسابيع، و أنها أتت لحماية الشرعية الجديدة، ممثلة بالرئيس عبدالله السلال، لكن الحرب لم تنته إلا و قد وصل الوجود العسكري المصري إلى 70الف و استمرت ثمان سنوات"،
ثورة سبتمبر شأنها شأن معظم الثورات، قد ترتبط كفعل اجتماعي سياسي، بدور ريادي لشخص ما، لكن شرعيتها تستمد من إرادة الشعب، و بالتالي فأن دخول القوات المصرية إلى اليمن، جاء فقط و دون تلفيق للدفاع عن الثورة و النظام الجمهوري الوليد، في وجه خصومهما من الملكيين.
و علية فأن الغمز من قناة التدخل المصري، و شرعية الرئيس السلال، لتشكيك دول التحالف، في جدوى التدخل في اليمن، و جدوى التمسك بشرعية الرئيس هادي، قد تخدم صاحب الرؤية في تسويق مضمونها لدى البعض، و لكنها بالتأكيد، لا تخدم الشعب اليمني، الذي يتطلع للسير إلى المستقبل بعلاقة خطيه، لا بعلاقة دائرية تعيده إلى نقطة البداية، و لا يمكن أن تكون نصيحة أمينه للجيران، لأنها تعرض أمن دولهم و استقرار شعوبهم للخطر، بأكثر مما تبعدهم عنه، لأنها تتجاهل أن الحركه الحوثيه هي الذراع السياسي و العسكري لإيران و مشروعها الطائفي في المنطقه.
و على عتبة مضمون الرؤية، يقبل الرئيس علي ناصر محمد، و يدعونا للحاق به بالانقلاب و يعترف بآثاره السياسية والعسكرية، و يرى أنها " حقائق جديدة لا ينكر مفعولها و تأثيرها على الأرض " ، و يستطرد فيقول أن " التوافق الذي ضبط إيقاع العملية السياسية، منذ فبراير 2012م، قد أنفرط عقدة في يناير و مارس 2015م، و لم يعد بالإمكان إنتاج ذلك التوافق بحيثياته و رموزه و شخصياته الاعتبارية"، و هنا يتجاهل بقصد حقيقة أن نصوص المبادرة الخليجية لم تترك التوافق الوطني، بين القوى و المكونات السياسية، لأهواء و نوازع أطرافه، بل أحاطته بضوابط سياسية وقانونية كافية، كفيله برصد و توثيق، أي انحراف يطاله و تعيين مصدره.
و ما يدعو للأسف أن الرؤية لا تشارك غالبية الشعب اليمني، ولا دول الإقليم و العالم، في تقرير مسئولية المليشيات و الحرس العائلي، عما وصلت إلية البلاد من خراب على كل المستويات، بسبب تعطيل مسار العملية السياسية بالقوة المسلحة، بل تذهب حد دعوة اليمنيين و الحلفاء العرب، إلى التخلي عما تبقى من رمزية الدولة اليمنية، التي يمثلها الرئيس هادي، مكافاءة لانقلاب سيد الكهف و إذعانا لإرادته، و من يقف خلفه من وراء الحدود.
ليس مفهوما، أن لا ترى الرؤيه أن الموضوع الأمني، الخاص بتسليم السلاح، و انسحاب المجموعات المسلحة من المؤسسات، هو شرط سابق لأي تسويه، ليس باعتباره مطلب الحكومة، أو مطلب مجلس الأمن، بل باعتباره شرطا ضروريا حتى ل 'القيادة المؤقتة ذات الرئاسة الدورية' و 'حكومة الوحدة الوطنية' للعمل في ضروف و بيئة طبيعيه، على النحو الذي اقترحته الرؤية في مقاربتها لحل الأزمة اليمنية، إلا إن كان الرئيس علي ناصر لديه ضمانات، بأن الانقلابيين بثلث مقاعدهم في الحكومة سوف ينخرطون بأريحيه، في عملية نزع سلاح ميليشياتهم !!، أن تماهي الرؤية، مع تطلع الإنقلابيين الغير مشروع، في الاستئثار بالسلطة على حساب باقي الشركاء السياسيين، لا يمكن له أن يكون حلا يرضي القوى و المكونات السياسية في اليمن فضلا عن كونه خضوع لسلاحهم المشرع في وجه ألدوله و تشريع له .
أن الواقعية التي تنادي بها الرؤية ، تعني القبول بالأمر الواقع، كما شكلته حرب المليشيات ضد الدولة و المجتمع، و التعاطي معه و الاضمحلال فيه، و بالتالي على السلطة الشرعية التخلي عن المرجعيات الثلاث، و تقديم رأس الشرعية المعترف به الرئيس هادي مقابل عبدالملك الحوثي، الذي لا يزيد عن كونه، قائد لميليشيات متمرده، و صالح الذي لا يزيد عن كونه، رئيس لما تبقى من حزب المؤتمر الشعبي العام، و بتعبير آخر أمام مطلوبين للعدالة بنص القانون اليمني و الدولي، و تقديم مسودة الدستور إلى الحكومة الانتقالية، "لإعادة صياغة مشروع الدستور" بحسب الرؤية بشراكه انقلابيه تصل إلى الثلث، للعبث بتوافقات أطراف مؤتمر الحوار، حذفا و إضافة و تعديلا، لا معنى آخر، بنص الرؤية ، للواقعية غير ما ذكر أعلاه .
عندما يقول الرئيس علي ناصر محمد، أن التوافق الوطني الذي كان قائما قبل الحرب، قد أنفرط عقده، بتأثير ما جرى في مارس و أحداث يناير من العام 2015م، يطفو على السطح سؤال، على يد من ؟ و هل يكون الحل، بإزالة الأسباب و ما ترتب عليها من نتائج؟ أم بصناعة توافق جديد، بمقاييس الانقلابيين؟ لا لسبب، سوى قدرتهم على خوض الحرب، دون سواهم من القوى السياسية؟
تشغلني أسئلة ذات طبيعة تقنيه، حول أطروحة "خروج الرموز و الشخصيات الاعتبارية" في التوافق الوطني القديم من المشهد السياسي، هل سوف يقتصر على الرئيس هادي و عبدالملك الحوثي و صالح؟ أم سوف يمتد ليشمل رؤساء الأحزاب و المكونات الأخرى؟ و كيف يمكن التحقق من انقطاع صلة "الشخوص القيادية الجديدة" ، وتحرر إرادتهم ، و عدم تأثرهم ، بالرموز و الشخصيات الاعتبارية في التوافق القديم؟ هل يريد أحد ، أن يقنعني بأن عبد السلام الصماد أو المشاط أو الحوثي رئيس اللجنة الثورية ، سوف يتصرفون على النحو الذي تأمله الرؤية ؟ هل أنصار الله ، حركة سياسية ، لديها دليلها الفكري و مرجعيتها الفقهية ، أم هي 'رابطة أنصار' لأحد نجوم المجتمع ؟
يصعب تصديق أن حديث 'الإقليمين ' الشمالي و الجنوبي، بدون لازمة 'تقرير المصير' هو الثمن الذي تطلبه الرؤية ، مقابل وصفة أعادة أنتاج البدايات (الأصفار)، و إدخال اليمن و شعبه مره أخرى إلى مختبر التجريب، لفترة انتقاليه جديدة، لأن ما سوف يكتنفها من مخاطر، يفوق ما كان سابقتها ، كما أن الأقاليم تطرح بنية و رغبة الانفصال، لا بنية تبديد دوافعه، أو تطوير إدارة شئون المجتمع في الأقاليم، و بذلك تكون أقرب إلى التبشير بحرب مؤجله.
ما يحتاجه اليمن اليوم، هو مواصلة العملية الإنتقاليه من حيث توقفت، و إزاحة كل العوائق من مسارها، بالسياسة أو بوسائل إكراه أخرى و من ضمنها الحرب ، و دون ذلك فأنه تبديد إضافي لممكنات الحاضر، و تبديد لبقية أمل في بسم الله الرحمن الرحيم
في الرد على رؤية الرئيس علي ناصر محمد
د . علي أحمد فضل السلامي
طرح الرئيس علي ناصر محمد، رؤية سياسية لحل الأزمة اليمنية، توجه بها إلى سمو أمير دولة الكويت، البلد المضيف للمشاورات الجارية، بين وفد الحكومة اليمنية و وفد الانقلابيين برئاسة المبعوث ألأممي إسماعيل ولد الشيخ.
مقدمة الرؤية سعت إلى التمهيد لمضمونها، بتقديم قراءات خاصة بصاحبها، لأحداث سياسيه من تاريخ ألدوله ألحديثه في اليمن، و إسقاطها على واقع الصراع السياسي/العسكري الراهن، باعتماد مبدءا القياس، لتبرير ما هو صريح أو مضمر في مضمونها، و لتأكيد صوابيته و إحاطته بأوسع قدر من القبول، أما المضمون ذاته، فيمكن إيجازه في النقاط التالية:
تشكيل قيادة مؤقتة برئاسة دورية لمرحلة انتقالية 2 4 سنوات ، تتولى إدارة الدولة الاتحادية من إقليمين
تشكيل حكومة وحده وطنيه، من مهامها أعاده صياغة مشروع الدستور، التهيئة لانتخابات تشريعيه، و وضع خارطة طريق لما بعد المرحلة الإنتقاليه، وفق المرجعيات المتفق عليها.
نود أن نضع عدة ملاحظات، تهدف إلى تفنيد حيثيات ألمقدمه، و التعبير عن مخاوف محمولة على مضمونها، و المحافظة على نتائج عام كامل من الحوار قبلها،و التأكيد على أن فشل مشاريع التنمية، و معه أتساع دائرة الفقر يمثل 'أس' مشكلات اليمن في عموها، و ليست السياسية.
تفنيد المقدمة :
1 تخاطب الرؤية سمو أمير الكويت، الدولة المضيفة للمشاورات، مراهنة على مواقف سابقة لهذا البلد الشقيق، من الأزمات اليمنية الكبرى في الشطرين، أتسمت بالاستقلالية والتوازن في العلاقة مع اليمن ومع السعودية وفيما بينهما، لكنه رهان على حقبه سياسية و ديبلوماسية لا تملك دولة الكويت ترف العودة إليها، منذ الغزو العراقي لأراضيها و موقف السعودية منه، فضلا عن اتخاذ موقف يتمايز عن هدف السعودية المعلن من دخول الحرب في اليمن.
2 انشغلت ألمقدمه باقتفاء أثر تماثلات شكلية، للصراعات السياسية منذ ثورة سبتمبر 62م و حتى اليوم، تقوم على نظره تجريديه للأحداث، تفرغها من مضمونها و أهدافها، و قيمها السياسية و الإنسانية، و تتجاهل طبيعة القوى المتصارعة و شرعيتها، و علاقتها بالخارج. و لتأكيد قولنا هذا، نعرض الأمثلة التالية :
حرصت الرؤية على تفريغ الحرب الراهنة، بين السلطة الشرعية و الأماميين الجدد (ميليشيات الحوثي)، من كل المبادئ السياسية و القانونية و القيم الأخلاقية التي تؤطرها، حيث تقول لابد من " وضع حد للمزايدين و المتطرفين من تجار ودعاة الحرب من كل الأطراف "، و لجعل فراغ القيم و الفضائل أصيلا و تاريخيا، في الصراعات السياسية اليمنية، فأن الرؤية تعزي فشل مؤتمر حرض العام 65م، للمصالحة بين الجمهوريين و الأماميين القدامى إلى ذات العوز ألقيمي لدى النخب، حيث تقول " أن تجار الحروب لم يكونوا يريدون نهاية لتلك الحرب التي تحولت إلى مصدر للثراء و الرزق على حساب مصر و السعودية".
أن اتهام السلطة الشرعية في اليمن اليوم، بأحقر نماذج الفساد السياسي 'تجارة الحرب'، هو أشد أنواع الإساءة والأذى الذي يمكن أن يطالها، و وضع الأماميين الجدد، في موازاة السلطة الشرعية و رموزها، و الدولة و مؤسساتها، هو ذروة التجديف السياسي، كما أن التهوين من قدر ثورة سبتمبر و دورها الوطني، و من مكانة رجالاتها ، بل و خدش كرامة الشعب اليمني، الذي التف حولها و دافع عن أهدافها، هو ذروة التخفف السياسي و التسطيح المعرفي. .
من أجل تكريس حالة اليأس، لدى دول التحالف العربي و ترهيبها، من إمكانية كسر الانقلابيين عسكريا، و جعل أمر إزاحة الرئيس الشرعي هادي، عن المشهد السياسي مقبولا، تستدعي الرؤية أحداث العام 62م ، حيث تقول " تصور البعض في بداية الحرب في اليمن عام 62م ، أنها لن تدوم أكثر من أسابيع، و أنها أتت لحماية الشرعية الجديدة، ممثلة بالرئيس عبدالله السلال، لكن الحرب لم تنته إلا و قد وصل الوجود العسكري المصري إلى 70الف و استمرت ثمان سنوات"،
ثورة سبتمبر شأنها شأن معظم الثورات، قد ترتبط كفعل اجتماعي سياسي، بدور ريادي لشخص ما، لكن شرعيتها تستمد من إرادة الشعب، و بالتالي فأن دخول القوات المصرية إلى اليمن، جاء فقط و دون تلفيق للدفاع عن الثورة و النظام الجمهوري الوليد، في وجه خصومهما من الملكيين.
و علية فأن الغمز من قناة التدخل المصري، و شرعية الرئيس السلال، لتشكيك دول التحالف، في جدوى التدخل في اليمن، و جدوى التمسك بشرعية الرئيس هادي، قد تخدم صاحب الرؤية في تسويق مضمونها لدى البعض، و لكنها بالتأكيد، لا تخدم الشعب اليمني، الذي يتطلع للسير إلى المستقبل بعلاقة خطيه، لا بعلاقة دائرية تعيده إلى نقطة البداية، و لا يمكن أن تكون نصيحة أمينه للجيران، لأنها تعرض أمن دولهم و استقرار شعوبهم للخطر، بأكثر مما تبعدهم عنه، لأنها تتجاهل أن الحركه الحوثيه هي الذراع السياسي و العسكري لإيران و مشروعها الطائفي في المنطقه.
و على عتبة مضمون الرؤية، يقبل الرئيس علي ناصر محمد، و يدعونا للحاق به بالانقلاب و يعترف بآثاره السياسية والعسكرية، و يرى أنها " حقائق جديدة لا ينكر مفعولها و تأثيرها على الأرض " ، و يستطرد فيقول أن " التوافق الذي ضبط إيقاع العملية السياسية، منذ فبراير 2012م، قد أنفرط عقدة في يناير و مارس 2015م، و لم يعد بالإمكان إنتاج ذلك التوافق بحيثياته و رموزه و شخصياته الاعتبارية"، و هنا يتجاهل بقصد حقيقة أن نصوص المبادرة الخليجية لم تترك التوافق الوطني، بين القوى و المكونات السياسية، لأهواء و نوازع أطرافه، بل أحاطته بضوابط سياسية وقانونية كافية، كفيله برصد و توثيق، أي انحراف يطاله و تعيين مصدره.
و ما يدعو للأسف أن الرؤية لا تشارك غالبية الشعب اليمني، ولا دول الإقليم و العالم، في تقرير مسئولية المليشيات و الحرس العائلي، عما وصلت إلية البلاد من خراب على كل المستويات، بسبب تعطيل مسار العملية السياسية بالقوة المسلحة، بل تذهب حد دعوة اليمنيين و الحلفاء العرب، إلى التخلي عما تبقى من رمزية الدولة اليمنية، التي يمثلها الرئيس هادي، مكافاءة لانقلاب سيد الكهف و إذعانا لإرادته، و من يقف خلفه من وراء الحدود.
ليس مفهوما، أن لا ترى الرؤيه أن الموضوع الأمني، الخاص بتسليم السلاح، و انسحاب المجموعات المسلحة من المؤسسات، هو شرط سابق لأي تسويه، ليس باعتباره مطلب الحكومة، أو مطلب مجلس الأمن، بل باعتباره شرطا ضروريا حتى ل 'القيادة المؤقتة ذات الرئاسة الدورية' و 'حكومة الوحدة الوطنية' للعمل في ضروف و بيئة طبيعيه، على النحو الذي اقترحته الرؤية في مقاربتها لحل الأزمة اليمنية، إلا إن كان الرئيس علي ناصر لديه ضمانات، بأن الانقلابيين بثلث مقاعدهم في الحكومة سوف ينخرطون بأريحيه، في عملية نزع سلاح ميليشياتهم !!، أن تماهي الرؤية، مع تطلع الإنقلابيين الغير مشروع، في الاستئثار بالسلطة على حساب باقي الشركاء السياسيين، لا يمكن له أن يكون حلا يرضي القوى و المكونات السياسية في اليمن فضلا عن كونه خضوع لسلاحهم المشرع في وجه ألدوله و تشريع له .
أن الواقعية التي تنادي بها الرؤية ، تعني القبول بالأمر الواقع، كما شكلته حرب المليشيات ضد الدولة و المجتمع، و التعاطي معه و الاضمحلال فيه، و بالتالي على السلطة الشرعية التخلي عن المرجعيات الثلاث، و تقديم رأس الشرعية المعترف به الرئيس هادي مقابل عبدالملك الحوثي، الذي لا يزيد عن كونه، قائد لميليشيات متمرده، و صالح الذي لا يزيد عن كونه، رئيس لما تبقى من حزب المؤتمر الشعبي العام، و بتعبير آخر أمام مطلوبين للعدالة بنص القانون اليمني و الدولي، و تقديم مسودة الدستور إلى الحكومة الانتقالية، "لإعادة صياغة مشروع الدستور" بحسب الرؤية بشراكه انقلابيه تصل إلى الثلث، للعبث بتوافقات أطراف مؤتمر الحوار، حذفا و إضافة و تعديلا، لا معنى آخر، بنص الرؤية ، للواقعية غير ما ذكر أعلاه .
عندما يقول الرئيس علي ناصر محمد، أن التوافق الوطني الذي كان قائما قبل الحرب، قد أنفرط عقده، بتأثير ما جرى في مارس و أحداث يناير من العام 2015م، يطفو على السطح سؤال، على يد من ؟ و هل يكون الحل، بإزالة الأسباب و ما ترتب عليها من نتائج؟ أم بصناعة توافق جديد، بمقاييس الانقلابيين؟ لا لسبب، سوى قدرتهم على خوض الحرب، دون سواهم من القوى السياسية؟
تشغلني أسئلة ذات طبيعة تقنيه، حول أطروحة "خروج الرموز و الشخصيات الاعتبارية" في التوافق الوطني القديم من المشهد السياسي، هل سوف يقتصر على الرئيس هادي و عبدالملك الحوثي و صالح؟ أم سوف يمتد ليشمل رؤساء الأحزاب و المكونات الأخرى؟ و كيف يمكن التحقق من انقطاع صلة "الشخوص القيادية الجديدة" ، وتحرر إرادتهم ، و عدم تأثرهم ، بالرموز و الشخصيات الاعتبارية في التوافق القديم؟ هل يريد أحد ، أن يقنعني بأن عبد السلام الصماد أو المشاط أو الحوثي رئيس اللجنة الثورية ، سوف يتصرفون على النحو الذي تأمله الرؤية ؟ هل أنصار الله ، حركة سياسية ، لديها دليلها الفكري و مرجعيتها الفقهية ، أم هي 'رابطة أنصار' لأحد نجوم المجتمع ؟
يصعب تصديق أن حديث 'الإقليمين ' الشمالي و الجنوبي، بدون لازمة 'تقرير المصير' هو الثمن الذي تطلبه الرؤية ، مقابل وصفة أعادة أنتاج البدايات (الأصفار)، و إدخال اليمن و شعبه مره أخرى إلى مختبر التجريب، لفترة انتقاليه جديدة، لأن ما سوف يكتنفها من مخاطر، يفوق ما كان سابقتها ، كما أن الأقاليم تطرح بنية و رغبة الانفصال، لا بنية تبديد دوافعه، أو تطوير إدارة شئون المجتمع في الأقاليم، و بذلك تكون أقرب إلى التبشير بحرب مؤجله.
ما يحتاجه اليمن اليوم، هو مواصلة العملية الإنتقاليه من حيث توقفت، و إزاحة كل العوائق من مسارها، بالسياسة أو بوسائل إكراه أخرى و من ضمنها الحرب ، و دون ذلك فأنه تبديد إضافي لممكنات الحاضر، و تبديد لبقية أمل في المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.