لم يكن البردوني مخطئا حين قال في احدى روائعه الشعرية الفلسفية وبحدسه وحسه الفطري خطى اكتوبر انقلبت ... حزيرانية الكفن ومن مستعمر غاز ... الى مستعمر وطني في اشارة منه الى ان ادران صنعاء وبلاويها ودسائسها كفيلة ليس بانتكاسة وقلب مفاهيم واهداف ثورة اكتوبر بل واجتثاثها بعقلية (الانحلال والاحتلال المتخلف ) وعن طريق خديعة مسمومة في وحدة مجنونة مقرونة بالموت والتدمير لكل شيء وفي الطليعة الانسان وروح النظام والقانون والحياة المدنية ليس هذا موضوعنا لكن الاكيد ان بصيرة البردوني كشاعر ومفكر لم تكذب ولهذا اضاف في ذات القصيدة النبوءة متى تصحين ياصنعاء من تابوتك العفن .. وفي الحديث عن اكتوبر الثورة واحتفالات شعب الجنوب بذكراها الثالثة والخمسين مايزال القها يتعالى باصرار وروح ثورية لا تهزم ولا تتبدد عن طريق تلك الحشود المليونية المعبرة عن اصالة وهوية ووجود شعب يزداد عشقا وولعا بالحرية والسلام متشبثا بوجوده على ارضه رغم كيد الكائيدن ووهم الواهمين والسابحين في فلك اللصوصية والارتزاق .... مليونيات الجنوبيين رسالة الى العالم من اقصاه الى اقصاه تقول قول الواثق بالله و بحقه وبوجوده ومشروعيته على ارضه مفادها نحن هنا نحن شعب له كل مقومات الوجود والعيش ينشد الحياة الكريمة المستقرة .بعد سنوات من الموت والقتل والتنكيل والغزو والاجتياح والطمس . نحن هنا نقول لكل العالم اننا شعب حي لن تنطلي عليه كل الحيل والالاعيب بعد ان ذاق ويلات العذاب لمجرد اقحامه وحشره في شوالة (جونية) مشروع وحدة كانت اصلا مجرد مشروع سياسي فشل ولم يجف مداد حبره وخيوطه اوهى من بيوت العنكبوت جاء معه بكل اصناف واشكال الموت والقتل والدمار في الجنوب والشمال ايضا وهنا تكمن الكارثة . اخطر مافيه ان هذا المشروع الفاشل انتج الحقد والكراهية بين شعبين جارين بينهما وشائج الجوار والقربى على امتداد تاريخي موغل ومع ذلك في ظل هذا المشروع عانى شعب الجنوب من ويلات الارهاب والتكفير والقتل اكثر من اي شعب اخر ومايزال وفي اللحظة التي لاحت لهذا الشعب بقيام عاصفة الحزم والعزم بعد الغزوة الثانية هب ابناء الجنوب منتفضين من كل حدب وصوب مسجلين اروع وانبل ايات البطولات والمأثر الكفاحية الاسطورية بقية استعادة دولتهم وهويتهم وقيم تاريخهم الكفاحي الموغل في القدم في مقاومة المحتلين الغزاة ايا كانوا ومن اينما كانوا . وفي هذا تأكيد لأياتيه باطل لا من خلفه ولا من امامه على وجود شعب جبار لايقبل الضيم والحيف والاحتلال . وكل ما يريد قوله من خلال مليونياته الستة عشر اننا شعب اختط طريق نضاله السلمي والوطني عنوة ومن خلالها يلفت انظار العالم كل العالم الى حقه في استعادة دولته وفك ارتباطه من ذلك المشروع السياسي الفاشل بشهادة من وقعوا عليه وعاشوا تبعاته المؤلمة وباعتراف قادة ودول العالم . . لسنا الوحيدون ممن وجدوا انفسهم في مشاريع سياسية فشلت ولنا العبرة في وحدة مصر وسوريا ويوغسلافيا والتشيك ودول الاتحاد السوفيتي سابقا وحتى ماليزيا وسنغافورة . حين عادت هذه الشعوب الى ما قبل فشل مشروعها وهذا ليس عيبا ولا جريمة الا في نظر من يرون الوحدة صنما من تمر ومشروعا يحقق نزواتهم في النهب وتحقيق اطماعهم الخاصة في التملك والتوريث تحت شعارات في ظاهرها الجنة وفي باطنها النار والدمار .