إنَّ الاعتراف بالفشل هو أولى خُطى النجاح، وهو سلوك صحي لا يعيب صاحبه، ولا تُفتح طريق التصحيح إلَّا بعد الإقرار بالأخطاء، ولكن العيب هو المكابرة والاستمرار في السير على درب الفشل، وعدم محاولة تقييم الوضع جيداً، والوقوف على مكامن الخلل ثم تقويم الاعوجاج وتعديله ، وليس عيباً أيضاً أن يتم تجسيد المشكلة الرئيسية وتمثيلها بمن هو قادر على توظيف المعلومات بصدق وأمانة ليتمكن من تقمص شخصية صاحبها من أجل التعرف عليه عن كثب، والتعامل معه معاملة عادلة وحكيمة.
هكذا استطاعت النظم العالمية المتطورة أن تتجاوز العقبات والصعاب حين تخلت عن ثقافة الانتقام ونبذت فكرة المكابرة والتصميم على مواصلة الخطأ، واستبدلتها بالوقوف على العقبات ودراستها دراسة علمية مجردة من الأهواء ، فصححت المسارات وتجاوزت العقبات.
إنَّ الوقت هو الدليل القاطع والشاهد العدل لنجاح أي مشروع أو فشله، ولا مفر من الاعتراف بمن شهد له الزمن أو شهد عليه بأيامه ولياليه، ولابد لكل ذي لب أن يحترم الزمن ولا يتجاهل مدلولاته.
ولذلك يجب مراجعة الماضي لتأمين المستقبل من خلال الوقوف أمام المشاريع التي شهد الزمن بتعثرها فلم تبلغ الهدف، ومراجعة المواقف تجاه المطالب الشعبية التي أثبتت الأيام أنها ليست نزوة عابرة ليتم تجاهلها، وإعادة النظر في تقييم المكونات العريقة المحال اقتلاعها. لذا يجب الاعتراف بكل تلك الحقائق والوقوف على أسبابها بتجرد وبعين ناقدة، ودراستها دراسة جادة ومستفيضة تفضي إلى خلق فرص مناسبة لمعالجتها وتصحيح مسارها ، ومن تلك الحقائق التي لا ينكرها إلَّاَ جاحد، ولا مناص من الاعتراف بها، مايلي:
1- إخفاق الحكومة الشرعية في توحيد صفها ورؤيتها: وهذا يتضح من خلال اختلاف توجهات منظومة الشرعية وتباين أنشطتها، حيث أصبح كل مكون من مكونات الشرعية يبذل جل جهده لما بعد مرحلة الحرب، فمنهم من يرى أن الحرب التي تعنيه قد انتهت ويحاول الانتقال للخطوة التالية، ومنهم من يتخذ من القوة العسكرية المدعومة وسيلة لإيجاد موضع قدم له أو لحزبه هنا أو هناك يعزز به موقفه بعد الحرب، ومنهم من يعتبر المرحلة غنيمة وفرصة ارتزاق زائلة ينبغي اغتنامها.
2- افتقاد الثقة بين قيادات الدولة ومؤسساتها الحكومية وفقدانها التام لثقة المواطنين: فقد تبين أن الانسجام بين مكونات الدولة يكاد يكون معدوماً ، وبدت لنا الحكومة الشرعية من وهلتها الأولى مفككة البنيان، ولكن ظل أمل الناس فيها في بداية المرحلة كبيراً ، فالتمسوا لها الأعذار والحجج، ولكن نفدت الأعذار والحجج مع مرور الوقت قبل أن تغير الحكومة الشرعية صورتها، فخاب أمل الجميع.
3- تجاهل التحالف والحكومة الشرعية لمطالب الجنوبيين المشروعة: فقد باتت مطالبة الجنوبيين باستعادة دولتهم المستقلة جلية وواضحة، وهو مطلب تميز عن غيره بالريادة والإجماع الجنوبي، وأثبت باستمراره في كل الظروف والمنعطفات السياسية أنه مطلب شعبي مشروع وليس نزوة عابرة يمكن تجاهلها، ولابد من الاعتراف به وأخذه في الاعتبار.
4- الازدواجية الواضحة في تعامل التحالف والحكومة الشرعية مع الجماعات الإسلامية: لقد تعمد التحالف العربي والحكومة الشرعية استغلال حماس القوى الإسلامية المختلفة، فدعموها لمحاربة الطرف الآخر، ثم بعد ذلك يسارعون في إقصائها ومحاربة من يتعصى من عناصرها بعد إنهاء المهمة.
5- عدم اعتراف التحالف والحكومة الشرعية بالكيان الحوثي: والحقيقة أن الكيان الحوثي ليس نبتة سطحية يمكن اجتثاثها، ولكنه جماعة دينية متجذرة في التاريخ اليمني، هُزمت في غابر الأيام ولكنها ظلت حية تحت الرماد، ومن الحماقة بمكان تجاهلها وإن كانت أقلية، وأي محاولة لهزيمتها وإقصائها من المشهد مرة أخرى ليس إلَّا إعادة لسيناريو الانتقام وتكراره.
7- غموض أهداف دولة الإمارات والمملكة السعودية وتباينها: فمن الواضح أن نهج البلدين مختلف، وتقاسم البلد بينهما واضح، وتشكيل الإمارات لقوة عسكرية خاصة واستحواذها على قيادتها مدعاة للقلق، ولم يخف على الناس أحداث مطار عدن الأخيرة وأسبابها.
8- تجاهل الرئاسة والحكومة الشرعية للرأي الشعبي العام في التعيينات العليا: حيث أن قيادة الدولة ورئاسة الحكومة عوّلت في تعيينات كثير من المناصب العليا على معيار المحاصصة الحزبية والمعيار القبلي الضيق وبعض اعتبارات أخرى رَفعت جهات معينة من أهميتها في نظر أصحاب القرار وتجاهلت المعايير العملية التي يدعمها الرأي العام للغالبية العظمى من الشعب، حتى أن بعض رجالات الدولة أصبحوا لا يستطيعون دخول بعض المدن اليمنية لعدم قبول الناس لهم.
هذه هي أهم الأسباب التي أدت إلى:
1- عدم قدرة الحكومة الشرعية على إدارة المحافظات التي تقع تحت سيطرتها. 2- عدم قدرة الحكومة الشرعية في استعادة هيبة الدولة وفرض الأمن والاستقرار في مناطقها. 3- فشل كل الوزارات في ممارسة مهامها سواءاً من داخل الوطن أو من خارجه. 4- فشل التحالف والحكومة الشرعية في التقدم الميداني وتهيئة الظروف المناسبة للحل السياسي الذي لابد منه في نهاية المطاف. 5- نشوب خلافات متكررة بين قيادات الشرعية فيما بينهم من جهة وبين قيادات الشرعية وبعض رموز التحالف من جهة أخرى.
ولذلك أقترح على رئيس الجمهورية الذي يبدو أحياناً إنه يحمل مشروع الدولة الفيدرالية بمفرده، وانشغال بقية الفريق بعرقلة جهود الرئيس حتى يتسنى لهم إكمال ترتيباتهم الخاصة لما بعد الحرب، أقترح عليه أن يعيد النظر فيمن حوله وفيمن هو حولهم، وأن يسعى جاهداً لعمل تغيير جذري في الأسلوب والطريقة، وفي الشكل والمضمون لكل الخطط، وأن يعيد ترتيب أولوياتها على أساس الحقائق آنفة الذكر وبما يتناسب مع طبيعة القضية اليمنية. إنَّ كل القوى تدرك إصرار الرئيس عبدربه منصور هادي على مشروع الوسطية المُجمع عليه محلياً وإقليمياً ودولياً والمتمثل في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وأهمها تطبيق النظام الفيدرالي وإعلان ولادة جمهورية اليمن الإتحادية، ولكن لابد من تزمين مشروع الوسطية وحصره في فترة زمنية محددة بحيث يكون فك الارتباط بين الدولتين هو البديل الوحيد في حالة فشل الحل الوسطي.
ومن أجل البدء في تنفيذ الخطوة التصحيحية يجب الإبتعاد ما أمكن عن تقليد الدول المستقرة فيما ليس له حاجة . فليست البلد بحاجة لوزير زراعة لا يعمل، ولا لوزير مغتربين قبل أن تفي الحكومة بما عليها لمواطني الداخل، ولا لوزير نفط قبل أن يستتب الأمن لإستخراج النفط وتصديره، وماذا عساه أن يفعل وزير الشباب والرياضة في هذه الظروف؟!! وماهي الحاجة لوزير السياحة؟!! ولا زالت القائمة تطول بوزراء المحاكاة والتقليد الأعمى ووكلائهم والنوّاب ، لذلك لابد من انتهاج منهج تقشفي مؤقت لإدارة المرحلة حسب طبيعتها ومتطلباتها، وذلك من خلال تشكيل حكومة إنقاذ مصغرة، يُنتقى أعضائها على أساس الكفاءة والنزاهة والإلمام التام بمتطلبات المرحلة.
إنني على يقين تام أن الرئيس قد حُمّل من المسؤولية ما لا يطيق حَمله غيره، ويواجه من الصعاب والتحديات ما لا تعدُّ ولا تُحصى، ولكنه يمتلك قلباً كبيراً، ويتحلى برباطة جاش فريدة، ويقاوم بنفس طويل، وهذه الصفات النادرة هي التي جعلت من شخص الرئيس رجل المرحلة الذي لا غنى عنه. ولكن وبالرغم من تلك الصفات النادرة وما يدور خلف الكواليس من تفاهمات واختلافات، إلَّا أن تقييم الوضع بكل جوانبه مطلب مُلح وحاجة ضرورية لا تحتمل التأخير. لذا يجب على كل وطني أن يدرك أن هناك حلولاً مفاجئة توشك في الظهور لتُنهي الحرب بطريقة أصحابها، وعلى كل من يخشاها أن يساعد في تقييم الوضع القائم وتغييره لعل الحرب تنتهي على أصولها.