هناك مقولتان مهمتان جدا ومشهورتان وعلى درجة كبيرة من الموضوعية والمصداقية ، الأولى تقول : إنَّ مستقبلَ أية أمة يتكون في الصف الدراسي ، والثانية تقول : إذا أردت أن تدمر أمة ، فعليك بتدمير التعليم فيها ، للأهمية الكبيرة التي يحتلها التعليم في حياة الأمم والشعوب ، فتطور الأمم والشعوب يتوقف على مدى الأهمية الكبيرة التي توليها حكومات هذه البلدان ودولها للتعليم بمختلف مناهجه وتوجهاته ، وليست بما تملكه هذه البلدان والشعوب من ثروات ، ولو كانت الثروات هي المقياس ، لكان العرب بما يملكون من ثروات ، يحتلون المراتب الأولى في العالم ، والثروات هي من العوامل المساعدة ، إذا حَسُنَ استخدامُها بشكل جيد ، وإلا تحولت وبالاً على أهلها وأصحابها ، كماهو حالنا نحن العرب ، فثرواتنا تُبَدَّدُ من قبل حكامنا لشراء السلاح ، للدفاع عن عروشهم المتهالكة ، وشنّ الحروب ، وفي الوقت نفسه تنتشر الأمية والفقر والمرض بشكل واسع بين شعوبهم . ويحتل المعلم مكان الصدارة في العملية التربية والتعليمية ، ولذلك كثير من دول العالم أعطت أهمية خاصة لتحسين وضعية المعلم إجتماعيا ومعيشيا ، بل رفعته البعض منها إلى مرتبة الوزير ، وجعلته يتمتع بكثير من الإمتيازات التي لا يحصل عليها كثير من موظفي الدولة ، تقديرا لمكانته ورسالته الهامة والنبيلة في المجتمع ، وبذلك حققت هذه الدول قفزات نوعية في التعليم والتنمية ، في فترات زمنية قصيرة ، نقلتها إلى مستوى الدول المتقدمة في العالم ، ومن أهم تلك الدول ماليزيا ، وهي دولة إسلامية ، كوريا الجنوبية ، اليابان وغيرها من الدول الأخرى . المعلمون والتربويون في وادي حضرموت وصحرائها ، كغيرهم من القطاعات الحكومية الأخرى يعانون كثيرا ، لعدم عدالة هيكل الأجور ومواءمته للمستوى العام للمعيشة ، وعدم صرف مالهم من حقوق ومستحقات ، كتسويات وعلاوات وغيرها ، وقد زادت الحرب من معاناتهم ، التي تدخل عامها الرابع دون أن تكون هناك مؤشرات لنهاية لها ، بما سببته من إنهيار للعملة الوطنية ، وإرتفاع جنوني للأسعار لايتلاءم مع طبيعة الأجور والدخل العام للمواطن ، وقد ضاعف من هذه المعاناة ، فساد السلطة القائمة بوزرائها، وعجزها عن إدارة المناطق المحررة بحكمة وحيادية بعيدة عن المواقف السياسية المنحازة لإتجاه سياسي معين أو خدمة جماعة بعينها . كما إنَّ هناك شريحة واسعة من المعلمين والتربويين ، تعاني شظف العيش هي الأخرى ، وهي فئة المتقاعدين الذين أُحيِلوا إلى المعاش ، بعد استيفائهم الشروط القانونية ، ولكن مايؤخذ على مكتب وزارة التربية والتعليم في الوادي والصحراء ، وعلى مكاتب التربية في المديريات ، هي إحالة هولاء المعلمين والتربويي قبل حصولهم على كامل حقوقهم المكتسبة من علاوات وترقيات وتسويات ، كفيرهم من مؤسسات الدولة ومرافقها ، التي لاتحيل موظفيها إلاَّ بعد حصولهم على كامل حقوقهم ، لانعرف الحكمة من وراء هذا التصرف اللاقانوني ، ممَّا تسبّب في ضياع حقوق كثير من المعلمين والتربويين من علاوات وتسويات وترقيات وغيرها ، البعض منها تعود إلى أعوام سابقة ، تمتد حتى سنة التقاعد ، والتي لازالت معلقة حتى اليوم ، وجاءت حرب الشرعية ضد الإنقلابيين ، لتضع حقوق المعلمين والتربويين في عالم المجهول والضياع ، بين سلطة الإنقلابيين في صنعاء والتي لايهمها المواطن مات أو ظلَّ على قيد الحياة ، فكل مايهمها ، هو التمسك بالسلطة بالقوة تنفيذا لمشروعهم الطائفي البغيض ، خدمة للمشروع الإيراني ، وبين سلطة قابعة في المعاشيق تزكم الأنوف من فسادها ، وكل مايهمها هو التآمر على الجنوب وقضيته العادلة بعد أن وفَّر لهم المأوى والأمان ، وبين شرعية الرياض التي تدير الحرب مع الإنقلابيين من تبة إلى تبة في ظلَّ زيادة معاناة المعلمين والتربويين وكافة المواطنين ، وتأخر الحسم العسكري واسقاط الإنقلاب . نتجة لهذه المعاناة التي يكابدها المعلمون والتربويون في الوادي والصحراء ، ظهرت بعض الأصوات في مواقع التواصل الاجتماعي التي تدعو إلى الشروع في الإضراب في بداية الفصل الدراسي الثاني ، وهو حق مشروع للمعلمين والتربويين ، للحصول على حقوقهم ومراجعة هيكل الأجور الذي صار لايتناسب مع الإرتفاع الجنوني في الأسعار ، لكن مثل هذه الدعوات لابد أن تتولاها جهات منظمة في ظل غياب النقابات المهنية وصمتها ، وذلك من خلال تشكيل لجان ميدانية في المدارس وغيرها ، تتكون من المعلمين والتربويين ، الذي يتمتعون بسمعة طيبة ومواقف إيجابية من العمل وليس من غيرهم ، ولكن نتمنى أن لايتم اللجوء لإستخدام هذا الحق المشروع ، إلا بعد طرق كل الأبواب واستنفاذ كل الوسائل المشروعة ، لما له من إنعكاسات سلبية على العملية التعليمية والتربوية ، قلوبنا وعقولنا معكم أيها المعلمون والتربيون ، متمنيون لكم كل النجاح والسداد ، ثبّت الله خطاكم وحقق سعيكم ورفع شأنكم .