تجلت من خلال الثورة التي قام بها الشعب التونسي وغضب شعب مصر حقائق وتكشفت أوهام فلا عجب أن تكون تونس معقل الثورة المغاربية على الظلم ففيها ولد ابن خلدون صاحب مقولة :"الظلم مؤذن بخراب العمران" في المقدمة..لتكون هذه المقولة أبرز دلالة نستشفها من ثورة التوانسة. أن التغيير قد يأتي من أي شخص مهما كان ، والمثقفون والعلماء قد يكونون بلا فائدة مجرد متفرجين بصرف النظر عن الخونة منهم الذين يبررون استبداد الحكام ببيع الدين ، فهذا البوعزيزي رحمه الله تعالى لوحده كان أمة ، كان شمعة احترقت لتضيء للشعب المصري واليمني وليفتح لغيره أبواب الموصدة نحو الحرية..أي أن أنظمة الطغاة بمحاصرتها لمنهج الله أو منهج الديمقراطية لا تأمن على نفسها من كيد الضعيف. أن مطالب الشعوب المقهورة تتعدى المطالبة بالخبز إلى مطالب سياسية ، وهو ما يتجاوز تصور الحكام الطغاة وأذنابهم ومن يدعمونهم من الغربيين في أن الشعب يرمى بالخبز وحصر التنمية في إشباع البطون بما غشوا الناس في التعليم الذي أحالوه قناة لتمرير الإيديولوجيات الاستبدادية التفضيلية ، وصرف الشعب عن مطالبه السياسية والفكرية والثقافية وعن الهوية والأخلاق والمعنى ليس كل أفراد الشعب نتاجا للنموذج التصوري الذي تسعى السياسة الطاغية لإسباله على وعي الناس وتفكيرهم ، للتشكيل الرسمي لذهنية وسلوك الفرد "المواطن ".
بعد الثورة التونسية بالأمس والثورة المصرية اليوم علينا ان نعي أن الانترنت والإعلام أسلحة لاغنى عنها في المعركة ضد الطغيان ، فهي تعطي مؤشرات قياس وهي وسائل نشر وكان لقناة الجزيرة اثر بالغ لزلزلة عروش الحكام لتقول لهم إن وصولكم أيه الحكام الطغاة للكراسي قامعين قاهرين لشعوبكم ليس هو نهاية التاريخ ، فالأيام دول (وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ، ومن سره زمن ساءته أزمان ، ولا أحد منكم أيه الطغاة يدري بأي أرض يموت ولا مآل حاله..لكم العبرة في صديقكم بن علي الذي قد ينتهي به الحال منتحرا أو مجنونا. هي قاعدة عموم البلوى التي بدأت مع اغلب الطغاه وستتساقط الأنظمة الاستبدادية كأوراق الخريف.. فسياسة الطغيان لها أفول ، والحكام المتألهون المتوثنون كالأصنام التي فرضت نفسها على الخلق بالصولة والصولجان ، ستندثر لا محالة لان الاستبداد علة نهايتها الأخيرة كلمة (فهمتكم ) . إن سياسة الطغيان وهي تزعم الحكم ب"إرادة الشعب" إنما تحكم بوهم لا وجود له ، بل هي تحكم بإرادة الطاغوتية التي تبررها بإرادة شعب مكلوم غافل وفي شخير عام ! لكن هذا الشخير ليس سباتا بل إن الهدوء تتلوه العواصف التي قد تهب بلا حسبان فجأة.."إرادة الشعب" هي الوجه المزيف والإستبداد هو الوجه الحقيقي، فسياسية الطغيان لم تأخذ من الديمقراطية إلا إجراءاتها دون جوهرها ، فلا عجب أن يستبد الحاكم من وراء هذه الإجراءات.
إن سياسة الطغيان تسعى لقمع كل مظاهرة ومعارضة ضدها أو إضراب كما حدث في تونس ومصر واليمن إذ قتل من قتل واعتقل من اعتقل وقبل ذلك اعتقل وهجر المعارضون ، وفي الجنوب قصف في ردفان وتدمير في لودر وخراب في شبوة ونهب وسلب وإذلال في عدن و تحقيرا سافرا لكل جنوبي .لكن الإرادة الشعبية التي مضت عليها أربع سنوات وقدمت شهداء وجرحى وتضحيات يصعب لقلمي حصرها ستنتصر ولو طال الزمن وتبين للناس أن الخادم هو الحاكم،وهكذا ينبغي له، وليس الشعب. سيأتي اليوم الذي يسمع فيه الجنوبيين قوله تعالى ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) مع التأكيد ان ما يحدث للجنوب ليس هزيمة وهروب إنما هو نجاح وتعجيل بساعة النصر وتأخير النصر لقضيتكم هو ربما يكون لتمحيص العملات لان الأوراق بدت تنكشف من يوم لأخر فالقيادي الذي صنعه الحراك وظل يهاجم الاشتراكي أكثر من هجومه على النظام اليمني خرج ليحرق العلم الذي سقط تحت ظلاله قائمة من الشهداء بداية بوضاح البدوي وانتهاء بالحاج بن عسكر وربما يتأخر نصر الحراك لان فيهم من شغله الشاغل ونضاله المتواصل ضد الاشتراكي فقط! وهو مايطرح سؤال مفاده هل الاشتراكي هو من قتل شهداء المعجلة وشهداء مجزرة زنجبار ومنصة ردفان؟
ولله ثم والله لو فتشتم عن تاريخ الانتماءات الحزبية لشهداء الحراك لوجدتموهم أعضاء في الاشتراكي وما زلت أتذكر شهداء منصة ردفان عندما قتلوا واقتربت من أجسادهم للتصوير فإذا ببطائق الاشتراكي تتساقط من جيوبهم ولازلت أتذكر إنني أجريت حوار صحفي لصحيفة الشارع قبل عامين مع حسن باعوم وضمن ما قاله في الحوار (الحراك خرج من مقرات الاشتراكي وكان أعضاء الاشتراكي يشاركون وينضمون إلى ثورة المتقاعدين رغم أنهم غيرمتقاعدين ) . نعم أيها الجنوبيون قضيتكم عادلة لكن ربما قد يتأخر النصرليتبين الصادقين من الكاذبين سينتصر الحراك عندما تنزل القيادات التي تتسابق على البيانات ونهب أموال المغتربين من الجبال لتقود المسيرات في عدن وحضرموت وعتق وليعلم من يسمون أنفسهم قيادات ان حركة عشرون شاب في شوارع عدن أفضل من ألف مسيرة وبيان في جبال غبراء قاحلة لا يراكم فيها ولا يسمعكم سوى الرياح وطيور الصيف فهل يتعظ قيادات الحراك من من ثورة شوارع تونس؟. إن سياسة الطغيان والاستبداد ليست في مصلحة أحد غير الحاكمين إذ تمكنهم من تكديس الثروات وبناء "مجدهم" الخاص ، في غفلة من الشعب، وأن ظلم الحكام دين إن لم يؤدوه هم فسيؤدنه من أهل بيتهم وورثة طغيانهم ، والظلم مهما طال له أجل لن تتعداه ولله في الظالمين سنة جارية وإذا حلت ساعة الظالمين فساء صباح المنذرين وويل لهم من يوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين. دائما سياسة الطغيان لا تعبر عن إرادة الشعب بل هي تتآمر على إرادة الشعب وتسعى لمصالح فئوية وتتحالف فيها العائلات الحاكمة مع زمرة الأذناب المعدودين ، كما تجتمع الأسود على الفرائس محاطة بالضباع ، و تتوسل هذه السياسة بالمحافظة على وجودها وسوادها بأنظمة انتهازية خارجية ترعى الاستبداد لأنه يمثل إستراتيجية للهيمنة ، وأن هؤلاء لانتهازيين لا يعترفون بمن تحتهم. حينما حلت النهاية لبن علي رفضت مطارات الأرض استقباله وضاقت به ذرعا ومبارك ظهر في الشاشة التلفزيونية ضعيفا هزيلا ترتعش أنامله ليقول طلبت من الحكومة التقدم باستقالتها وعلي عبد الله صالح يقول لمعارضة الخارج انتم في وجهي واليمن ليست تونس وربما نسمع خطاب آخر يقول اليمن ليست مصر وتستمر الحكاية مع بسكويت ابو ولد لكن يجب علينا ان نعي العظات والدروس.