بين الدول المختلفة التي تنقلت فيها، تبقى الإمارات العربية المتحدة، الأكثر تعبيرا عن دولة العرب ورؤيتهم الثقافية والاجتماعية.ليس هذا بين الدول العربية، ولكن في تصور العالم عنا.. سواء في نيجريا أو فرنسا التي أقيم فيها حاليا. كامرأة عربية، فإن الامارات، المجتمع وليس فقط الدولة، استندت للوعي العروبي التقليدي في كثير من المجالات، وجمعت بين الرموز الثقافية التاريخية وبين أرقى منتجات العصر. يكفي أن المرأة الاماراتية مثلا، بردائها العربي التقليدي العباءة والشيلة والكحل، مثلا، تمثل نموذجا ايجابيا يختلف عن كل الجدل الذي تعيشه المجتمعات العربية الأخرى ضد هذا الزي. فهو في الامارات، رمز للأناقة والحداثة والجمال، وليس كما في غيرها رمز للتخلف وسلطة الرجل. المرأة الاماراتية، كما الرجل، والأسرة، والقبيلة، والخطاب الديني والثفافي قدموا نموذجا إيجابيا متعدد الوجوه، جمع بين الانفتاح العالمي والحفاظ على الهوية العربية التاريخية، التي لها تقاليدها وأسسها ومميزاتها، فإن الامارات التي صارت قبلة عالمية، تجمع كل ثقافات الدنيا، ومركزا اقتصاديا مرموقا، تجنبت أضرار الانفتاح التي أصيب بها كثير من الدول العربية، سواء التي تبنته بطريقة لاتتناسب مع بيئها فأضر عروبتها وشرقيتها وتاريخها، أو التي تصارعت معه فعادت للوراء، وعاشت صراعات الماضي في الدين والثقافة والحياة الاجتماعية والاقتصادية والادارية. ومقابل الضجيج في المجتمعات العربية الأخرى، التي ازدادت فيها حدة التدخلات في الحياة الشخصية عبر الفضول والتلصص، دون أن يعني ذلك أي التزام حقيقي بالقيم والاخلاق، فإن مجتمع الإمارات قدم نموذجا حضاريا راقيا في احترام خصوصيات الأفراد بغض النظر عن دينهم وسلوكهم الشحصي، طالما احترم القانون، وفي نفس الوقت بدت الهوية العروبية بما فيه من تقاليد. تذكرني الحياة في هذه الدولة التي عشت فيها ثلاث سنوات، بتلك التي تربيت في كنفها في المجتمع الجنوبي قبل ماتسمى الوحدة اليمنية. مجتمع الإحترام، والتسامح، والتواضع في السلوك، والطموح الذي يبدو فيه الفرد كأنه هو الدولة. المجتمع الذي دفع، ولايزال، ثمن إيمانه بالوحدة العربية، لأنه لم يتوفر له النظام الذي طبقته دولة الامارات العربية المتحدة بين اماراتها. وهذا يدعونا للترحم والشكر لمؤسسي الدولة، في ذكرى عيد الاتحاد الذي يحتفل به الاماراتيون اليوم. كما يدعونا للرد على طرفين، من ناقدي هذه الدولة، الأول من العرب والمسلمين، الذين يروجون عن الامارات ماروجوه عن كل مجتمع عربي يسعى للتحديث في حياته اليومية، وعن جهل يصورونه كأنه انسلخ عن ثقافته ودينه، والثاني من غير العرب، الذين يستكثرون على "هذا البدوي" كل هذا التفاعل مع معطيات الحضارة الحديثة. ومن الغريب أن يجتمع الطرفين على مايمثله من تناقض، في موقفهم من مجتمعات كالتي تمثلها الامارات العربية شعبا ودولة. علما بأن المجتمع الاماراتي لايستحي أن يقول أنه بدوي، لم ينسى الزاجل ولا الزامل ولا الشعر ولا صيد البراري، ولا اللبس التقليدي للرجل أو المرأة، وكم اثار احترامي البدوية التي تأتي سائقة البيك آب ببرقعها التقليدي وتقف أمام أضخم السوبرماركات، وبعد أن تتسوق كل احتياجات ربعها تعود الى مرابع أهلها حيث التقاليد التي تحبها وتفاخر بها. وفي مقابل التزامات المجتمع، تجاه صورة بلده، تقدم الدولة أيضا التزامات تجعلها من أفضل دول الأمن والأمان للحياة العامة.. لاتشعرك بالتمييز ولا بالاضطهاد من قسم الشرطة وحتى مكاتب الاقامة والبلدية والتعليم والصحة، الا وفقا لشروط القانون الموضحة للجميع. ولايعني هذا أن كل الاماراتيين، في مستوى واحد، فبالتأكيد هناك فوارق بين هذه الامارة وتلك، وهذا المسؤل وذاك، وبين هذا المواطن وتلك المواطنة، لكن التباين سنة الحياة الطبيعية، لكن الأهم هو السلوك العام الغالب. فلكم يا أهل الامارات كل التقدير والتحية