لم يكن يدور في ذهن السيد علي سالم البيض وهو يدلف باب اليمن حاملاً معه أحلامنا الوردية بوطن مثالي يتسع الجميع، وينهي جراحات اليمنيين كافة من التشظي والفراق والحروب الأهلية.. لم يكن يدري أن عاطفته الجياشة وحبه لوطنه (الجديد) وهو يتنازل طواعية ويترجل عن كرسي الحكم أن هناك من أعد العدة للقضاء على أحلامه وتطلعات الجنوبيين جميعاً منذ البدايات الأولى لإعلان الوحدة اليمنية في 22مايو 90م، فقد بدأ السيناريو مبكراً بجملة اغتيالات طالت كوادر الحزب الاشتراكي اليمني وانتهاءً بإعلان حرب صيف 94م الظالمة، التي خطط لها (مطبخ) صنعاء مبكراً وكشف ورقة توتها السفير السابق احمد عبدالله الحسني في إحدى القنوات الفضائية العربية، وأكدها لاحقاً اللواء علي محسن الأحمر، بعد صحوة ضمير (مصلحية) متأخرة أو تشفًياً في (الرجل المريض) الرئيس الشرفي لعبده الجندي وشلته. ومنذ اجتياح الجنوب في 7794م واحتلاله وطمس هويته ونهب ثروته، تعالت الأصوات المعارضة لنظام صنعاء لإيصال رسائل متعددة في آن واحد تتمثل بتعطيل مسار الوحدة، محذَرة بان استمرار السلطة في غيها وجنونها سيأتي بالخراب على الجميع شمالاً وجنوباً ولم تكن هناك عقول واعية لذلك، لأن الغطرسة والتجبر أعمى العيون، تصوروا...حسن باعوم رمز الجنوب ومن يطالب بفك الارتباط والاستقلال ولا غيرهما ويرفض أي تفاوض دونهما، كتب آنذاك: "إلى متى سيظل الشعب اليمني يدفع فاتورة أخطاء حكامه، فالحديث بخطابين ولغتين وسياسة الجمع بين خصائص الأسد وخصال الثعلب وضم وإلحاق الجنوب واحتلاله وطمس هويته ونهب ثرواته الوطنية لن تجد نفعاً ولن تعوض الفرص الضائعة، فإذا كان قد تصالح ما يسمى في الأدب السياسي اليمني بالملكيين والجمهوريين في إطار (الجمهورية العربية اليمنية) فإنه يتحتم عليهم اليوم وليس غداً قبل الضجيج عن الثورة وانجازاتها أن يتصالحوا مع أبناء الجنوب وبقية الشرائح المهمّشة في البلاد من أجل استعادة الشرعية السياسية والدستورية لوحدة 22مايو 90م وتقرير مصير الوطن على قاعدة اتفاقية الوحدة والمصالحة الوطنية الشاملة وإصلاح مسار الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق وقراري مجلس الأمن الدولي (924_931) والتعهد المكتوب من السلطة للأمم المتحدة في 7يوليو 94م حتى تستقيم حقوق المواطنة المتساوية والوحدة والديمقراطية ويتم إزالة التشطير والمشاركة في بناء الدولة اليمنية الموحدة بمؤسساتها الوطنية الجديدة (الدولة اليمنية الحديثة)..." ؟!!. لكن لم يسمعه حينها أحد، ولم يؤخذوا بنصائحه، وهاهم اليوم يتساقطون واحداً تلو الأخر، و(مزبلة) التاريخ في انتظارهم!!. وعندما اشتعلت نيران الغضب في شوارع الجنوب، وخروج الآلاف في المحافظات الست للتعبير السلمي عن ذلك الغضب، قابلته السلطة بكل صلف، وراحت (تقتلهم) بدلاً من احتضانهم والاعتراف بمضمون مطالبهم العادلة والإقرار إن الجنوب قد نهب فعلاً، وليس أدل على ذلك من تصريح أحد الوزراء السابقين عند زيارته لمدينة عدن سيدة المدن_ التي غادرتها المدنية وهجرتها طيور البجع_ في وقت مضى، ورؤيته للأوضاع المأساوية التي يعيشها أبناءها قائلاً: "لو كنت عدنياً لكنت أول الانفصاليين.."!. وتأكيداً على ذلك ما قاله الباحث الأمريكي "سيفن داي" المختص بالشئون اليمنية وتصويره الوحدة القائمة بالمأساة على شعب الجنوب، مشيراً إلى نظرية المشاركة في السلطة التي قام عليها إعلان الوحدة اليمنية قد أسقطتها الحرب..مؤكداً إن الوحدة القائمة هي مجرد مأساة للشعب في الجنوب.
سآتي لكم بنكتة، أو مأساة الأمر سيان، وهي من الواقع، مقاول من (رداع) في مديرية مرخة محافظة شبوة..بدأ مقاولته لبناء غرف تحكم لإحدى شركات الاتصالات في احد الجبال، أحضر عمال من المديرية ثم استغنى عنهم جميعاً، واتى بعمالة (شمالية) واحضر معهم ثلاثة (حمير) لنقل "البردين" إلى المكان المرتفع، وعندما سألوه المواطنين، لماذا هذا التغيير؟ قال هي عاطلة عن العمل!! فردوا عليه : "كبًر الله عليكم تمييز حتى في الحميييير"!!.
يغالط الحقيقة من يظن أن الجنوبيين انفصاليين، فالانفصال وحلمه نتيجة عكسية لأعمال وتصرفات الجبابرة، وهم من صدًروه إلى النفوس الجنوبية، التي ما فتئت تردد على مقاعد الدرس منذ الصغر: "لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتحقيق الوحدة اليمنية" وعندما تحققت الوحدة حوًلوها (هم) إلى كابوس والى (خالة) وصار الانفصال (أم) ووطن!!. *خاص عدن الغد