شغلتنا ساحات ما يسمى بثورة التغيير في محافظات الجنوب عامة، وشبوة على وجه الخصوص بمطالباتها المتكررة ل هيكلة الجيش، وراحوا دون تفكير أو قليل من التريث يصورون الأمر على أنه هدف لا بد من تحقيقه، خصوصاً بعد خروج علي عبد الله من واجهة المشهد والتحافه الكواليس يدير بها ما يشاء من أمور الجيش والأمن والمجاميع الإرهابية التي تتبعه، وظل الخارجون في مسيراتهم يرددون عبارات تدعو إلى إعادة هيكلة الجيش، وهلم جراً. إن هذه التكرارية الفجة والمرسوم لها أن تظل مشدوهة ومترنحة أمام برواز مزخرف يخفي خلفه أصابع أحادية اللون والطبيعة ملوثة بالدماء تحرك المشهد برمته وترسم له خطواته الرتيبة، وخطوطه العريضة، وكأنهم في رقعة شطرنج مترامية الأطراف، لا يجوز لأحدٍ السؤال عن الكيفية أو الزمان الذي سيتوقف عنده ذلك التكرار المبهم أو حتى المكان الذي ستصل إليه هذه المسيرة، وهذا المشهد يخفي –بخبث-خمس حقائق سأتوقف أمامها تباعاً: الحقيقة الأولى: إن الجيش الذي ملأوا الدنيا ضجيجا بضرورة إعادة هيكلته ليس إلا الجيش الذي احتل الجنوب ومزقه إلى كانتونات تتبع فريقي الحرب وأتباعهما؛ علي عبد الله وزبانيته من جهة، وعلي محسن وآل الأحمر الآخرين من جهة أخرى، فضلاً عن المشايخ والعلماء الذين يتبعون هذا الفريق أو ذاك، بعبارة أدق: كل الجيش الغازي للجنوب في حرب 1994م الظالمة وحلفائه ومناصريه. الحقيقة الثانية: الهيكلة المزعومة بحسب الاتفاقية الخليجية، تشبهان(أي الهيكلة والاتفاقية الخليجية) إلى حدٍ ما هيكل اليهود، وتلمودهم، فقد ظل التمسك بهذه النصوص كأنها تعاليم لا يجب الخروج عنها ومخالفتها –إلا لو كانت تمس أي أحمر- فيجوز عندئذٍ البحث عن مخارج أخرى، تكفل بقاء سيطرة الطرفين-الشريكين- على المفاصل المهمة، دون الخوض في بعض التناقضات التي سيولدها هذا المخرج أو ذاك، وهذا هو المقصود: البقاء في نقطة محددة حتى يصل الطرفان إلى مخرج. الحقيقة الثالثة: كما أن الهيكلة المزعومة لم تتطرق لا من بعيد ولا من قريب إلى أي حديثٍ عن الوحدات الجنوبية وعودتها، وعددها، وعتادها، وعودة منتسبيها، وتوليهم زمام الأمور فيها، وكذا إعادة انتشارها، لأن هذه الوحدات أصبحت من الماضي ولا يجوز إعادة إحيائها أو المحاولة حتى التذكير بها، وهذا يعني استثناء كل الوحدات الجنوبية(جيش الجنوب السابق) من أي هيكلة، لأن هذه العودة لهذه الوحدات ودخولها الخدمة وتسليحها سيخلق حالة من التوازن فتصبح المسألة شراكة-إذا سلمنا بإمكانية قبولهم بها- لا منتصر ومهزوم كما يصرون على ذلك ويمارسونه، وهم هنا يحصرون الهيكلة في جيشهم ووحداتهم، أي في الجيش الذي يرونه حامي الوحدة المزعومة، ونراه –نحن الجنوبيين- الجيش الذي فرض الوحدة علينا بالقوة، فكيف غابت عن المنادين بالهيكلة معالجة هذه المعضلة والإسراع بها؟ ثم هل يعقل أن يطالب جنوبي-عاقل بالغ- بإعادة هيكلة الجيش الذي احتل الجنوب، ولا يحق له حتى المطالبة بعودة الجيش الجنوبي وتسليحه من جديد إلا لو كان الغرض من الهيكلة هو صك شرعية لاحتلال الجنوب ونهبه من جديد. الحقيقة الرابعة: ثم أن الهيكلة التي يزعمون أنهم يطالبون بحدوثها لا تشمل إلا على تغييرات طفيفة نحو تبادل القيادة في بعض الألوية والوحدات في الجيش الغازي، وتنقلات هنا وهناك، وفي كل هذا السيناريو ستظل القوة الضاربة في أيدي العائلة، ولن تخرج عنها، -وضع أيها القارئ الكريم ألف خط تحت كلمة العائلة-ومع هذا لا يجوز لأحدٍ من هؤلاء الحالمين التساؤل عن الفائدة من الهيكلة مادامت لم تشمل نزع الأنياب أو تقليم الأظافر التي حلموا بها طويلاً، والسبب يكمن في اتفاق الطرفين المتنازعين-كما يحاولان القول- الشريكان-كما يظهر في واقع الأمر وحقيقته- على كل شيء، وما يجري في حقيقة الأمر لا يعدو عن كونه سياسة نفس طويل الغرض منها إرهاق الطرف الرافض لكل هذه الدوامة وتبعاتها. الحقيقة الخامسة: إن الهيكلة المزعومة ابنة شرعية للمبادرة الخليجية؛ فالمبادرة أعفت كل القتلة والمجرمين، ومنحتهم حصانة من العقاب-؛ وكذلك الهيكلة ستمنع أغلب القيادات العسكرية من الخروج إلى بالتقاعد أو الرحيل؛ بل وتعطي لهم امتيازات أكبر من خلال هذه التنقلات، ولن يخسر في هذه التمثيلية إلا الطرف المعارض، والمجني عليه في هذه الثورة وصاحب المصلحة الحقيقية فيها، وهم الشباب المستقل في العربية اليمنية، الذي حلم يوماً بالحرية والعدالة والمواطنة المتساوية؛ فاستكثروا عليه حتى الحلم. صحيح أنهم لم يستطيعوا أن يمنعوه من الحلم، ولكنهم اجتمعوا عليه جميعاً، رفضوا أن يمنحوه مجرد فرصة يتيمة لمحاولة تحقيق هذا الحلم، أو حتى معاودة التفكير بالتجربة مرة أخرى. آخر سطرين: الولاء للأحزاب لا يعني إلغاء الوطن، ورفض حتى سماع أصوات من خارج هذا الحزب، والعمل على اختزال هذا الوطن في بضع متطلبات لا تخرج عن إطار ضيق مليء بالتناقضات لا تكفي فتوى واحدة أو حتى عشر لتفسيره.