منذ انتهاء الحرب اليمنية على الجنوب من قبل الشمال بفرض وحدته بالقوة في 7/7/1994م، لم يكن الجنوبيون بعد يأملون في أي حل لإنهاء محنتهم واصيبوا بالذهول وبالخوف العميق حتى ساد الاعتقاد بأن الاقدار غاضبة عليهم، وإن أملهم في إستعادة حريتهم من سابع المستحيلات بسبب موقف الاطراف الإقليمية والدول الكبرى مع بقاء الوحدة مرهونا بمصالحهم، لن تتغير حتى إذا أستمر الجنوب مجبرا لوحدة هشة ومتأكلة على واقعه. وليس هناك صعوبة الوقوف أمام عدالة قضية شعبه، بعد ان عاش صبورا بأفعال العبث الديني والقبلي والعسكري، على أمل أن لا يفقد عزيمته بمرارة حرب فرضها عليه الشمال المنتصر في حرب صيف 1994م، ولكن لا يعني هذا انتهاء لكل شيء من مشهده، فصعوبة الوقفة مع حصائل وتبعات تلك الحرب كانت جسيمة، بوحدة مسمى بالدم، عندما تحدث قائدهم صالح عنها ورددها عامة الشماليين تكرارا وفي أكثر من مناسبة ظلت نتائجها عكسية في نفوس أبناء الجنوب. والشعار الذي رفعه الشمال على الجنوب منذ تلك الحرب المشئومة ببقاء الوحدة جاثمة في صدورهم، لم يعد ما يبرره اليوم عند غالبية الجنوبيين، يريدون الخلاص من نهاية وحدة انتهت فعليا في حرب 1994م. فما الذي حدث بالضبط لكي تتحول عقارب الساعة في الجنوب من الخامسة والعشرين إلى ساعة الاستيقاظ، ليتصافحوا في أثناء تشييع شهدائهم ويوحدوا صفوفهم بخطوات ما لم يكونوا موحدين منذ استقلالهم الاول، ليسيروا بحراكهم الشعبي السلمي في اكثر من اتجاه من رقعة اراضيهم، والطريق إلى ذلك أرغمهم في مواجهة طغيانا وقمعا، لكنهم حققوا نضالات بتضحياتهم في رسم مسار حريتهم. وفي ظل التصعيد المتسارع والتوسع في حراكهم السلمي، بعد ان امتلكوا وزنا وشأنا اكسبهم انظار العالم بثورتهم الشعبية بامتياز، غاب معهم الشأن الدولي من دول ذات النفوذ والمصالح تجاه قضيتهم، حكمتها خطوط عريضة بشبكة مصالح، ولم يكن غافلا المجتمع الدولي عن الاحداث في الجنوب، فواشنطن والعواصم الاوروبية لم ينظروا إلى قضية الجنوب بالقدر اللازم من الجدية وخطورة الوضع ولم تعرها بعد أنتهاء الحرب أي اهتمام بسبب تجاهلم للجنوب، ظلوا ممتنعين في متابعتهم للقضية بنواحيها الإنسانية . واشنطن والدول الاوروبية تتحدثت بلغة مصالحها بعد أن تغاضت عن مشهد الإحتجاجات الشعبية السلمية في الجنوب منذ بدايتها في العام 2007م، بل اقدمت على سياسات معاكسة ضد الجنوبيين بدعمهم لنظام صالح، وشجعت على قمع خيار الجنوبيين وقطع اية اتصال يصل بقضيتهم إلى اروقة المحافل الدولية لبث ومناقشة قراري مجلس الامن المتعلق بحرب 1994، ويكفي ما راه شعب الجنوب من الوسيط الاممي الاخضر الإبراهيمي بقتامة صورته الاخلاقية أثناء حرب صيف 1994م وتخليه عن قضيته العادلة ولم يسندهم حتى في ابداء رأيه بحق شعب الجنوب المقهور طيلة سنوات محنته الأليمة، خاب وصفه لتلك الحرب بالمكر وتسلمه لمبدأ القوة بخبث لدرجه انه كان يردد في احدى مذكراته ما كان يردده الطرف المنتصر، بدت صورته دنيئة في شاشات التلفاز لحظة بيع اخلاقه بإستلامه لوسام مسمى ب"الوحدة" - وحدة بالدم - من حاكم جلاد مستبد على شعب الجنوب في اغسطس 2009م كان يعلم الابراهيمي حينها أن قرى الضالع وردفان الجنوبية تدك بالمدفعية الثقيلة ويقتل مواطنيه في ميادين النضال السلمي رافضين لمبدأ "الوحدة بالقوة". يدرك المتابع لقضية الجنوب ما سعت بعض القوى الدولية محاولتها توجيه ضربات إلى ثورته السلمية وإظهاره على انهم فئة متمردة تحاول زعزعة استقرار اليمن والمنطقة، وهذا ما يؤكد من خلال ماكنة اعلامها، وما نصت عليه المبادرة الخليجية إزاء القضية الجنوبية اختزلت كإحدى القضايا المطلبية يمكن حلها في إطار اللعبة السياسية بين اطراف الصراع في صنعاء. ولا يستغرب إن وصل الأمر بالدبلوماسية الامريكية وهي تحاول فرض إرادتها بالعنف السياسي والإعلامي ضد شعب الجنوب التي قالها سفيرها بصنعاء "جيرالد فاينشتين": (ان ايران تدعم الحوثيين في صعدة والجناح "المتطرف" في الحراك الجنوبي بالجنوب) في وقت تتجاهل مطالب شعب من المجتمع الدولي بتبني قضيته واحترام رغبته في تقرير مصيره، لانه يراقب بحذر ويخشى الرهان على نجاح او فشل مساع حل قضيته او يترك يواجه محنته دون مساعدة بطلب الحماية الدولية. يتجه الجنوب بالتأكيد إلى مرحلة حساسة بعد إفشال الجنوبيين ورفضهم للإنتخابات على رقعة ارضهم، ونجحوا في تسجبل نقلة فعلية على طي صفحة الوحدة مع الشمال، اعادت السخونة في ملفه مع تزايد لهيب حشود مسيراتهم، كما يشاهدها المتابع للوضع في الجنوب عند رؤيته لمظاهر الاعلام المرفرفة وشعاراته المطالبة بالاستقلال والاعلام المرسومة على الجدران في معظم شوارعه، كأن المشهد واضحا دون وصاية غيرهم. وما يثير السخرية الشديدة تعاطي وسائل الاعلام الاجنبية لقضيتهم بشيء من التقليل والتعتيم الممنهج لوقائع الاحداث في الجنوب، حتى في سقوط شهداءه، ويكفي تذكير متابعتنا لقناتي "الجزيرة والعربية" التي اعتمدتا على التعتيم المتعمد بقصد اضرار قضيته العادلة، ومن غير الممكن ان تكون حاضرة في المشهد الجنوبي لتغطية الحدث بمهنية، لكنها بقيت فارضة تعتيمها وفق اجندة مرسومة لها، مكتفية بذكر الجنوب المتعلق بتحركات القاعدة وانصار الشريعة المدعومة من اطراف الصراع في الشمال، هكذا سعت آلة الاعلام محاولة منها لحجب الحقيقة بما يحدث على أرض الجنوب وفق مصالح دولهم، فقناة "الجزيرة هي الوحيدة الذي تفننت بإبتذال بصناعة الخبر في الجنوب لتكريس سمومها بتزوير الحقائق لمصلحة غاياتها واجندتها، والذين يتذكرون ما فعلته عدسات كاميراتهم بتعمد وبتنسيق مسبق مع جهات أمنية واعلامية في صنعاء، عندما قامت بربط لقطات الحشود لآلآف الجنوبيين في ذكرى الاربعينية لمجزرة المعجلة سلطت بإلتقاط مشهد لمجاميع مسلحة من تنظيم القاعدة وبمسافة متجاورة من ذلك المشهد لإلصاق الحراك بعلاقته مع تنظيم القاعدة بغرض الترويج الاعلامي ووصفه ب "الحراك القاعدي المسلح" لإسقاط عدالة قضيته. تدرك تلك الدول ذات النفوذ والمصالح انه ليس من مصلحتها اضعاف مطلب شعب الجنوب بتقرير مصيره وابقاءه دون ذلك، حتى لا تجد مصالحها تتقاطع مع استعادة حريته وأيجاد حل يرضيهم ويوطد تعاونهم معه في مكافحة الارهاب لمصلحة أمن واستقرار تلك الرقعة الجغرافية الواقع فيه، دون ذلك يستحيل ان يبقى الجنوب في ظل إرادة قوة الشمال في حماية مصالحهم، حتى إذا قاسم الشمال في بقاءه مع مصالح القوى الإقليمية على حساب قضية الجنوب، فإن أية قوى لن تستطيع ابدا مهما استخدمت من وسائل ضغط لتغيير إرادة الجنوبيين، وتبقى قضية الجنوب قدر ومصير لا يمكن تغييره، لان مصالح تلك القوى مرتبطة ارتباطا وثيقا باستقرار الجنوب وبالشروع إلى الإستماع لمطالبه المشروعة. *خاص عدن الغد