كان باستطاعة الرئيس هادي أن يصلح الأمور بمحاسبة مرتكبي قتل المتظاهرين في عدن والمكلا، بسبب أنهم عبروا احتفائهم لرفضهم بيوم الانتخابات، وليس فقط بإبداء الأسف عن تلك الأحداث في 21 فبراير دون تكراره، حدث هذا ما كان حذر بوقوعه ومن ثم رصده بيانا منظمة العفو الدولية بما جرى في عدن، كان يكفي للرئيس هادي أن يقرأ بعناية عصيانهم وحالة غضبهم ليرمم الحدث بمحاسبة مسببيه، ولا يجعل دوره مكملا لإرضاء الأطراف المتنفذة في صنعاء بإعلامهم المزيف لحرف سلمية نضال الجنوبيين، واتهاماتهم المهينة بعد أن سوقت أكاذيبها بتصوير تظاهراتهم السلمية في ساحات الجنوب بأنه حراك مسلح وقاعدي وبمؤامرة إيرانية تماشيا ذلك الوصف مع حملات إعلامية ممنهجة سبقتها تصريحات دبلوماسية غربية لشرعنة القتل كخيار مثالي لضرب وإنهاء قضيته أو حتى تجهيل واقعه وقوته على أرضه.
يتضح جليا لكل المتابعين للمشهد السياسي في الجنوب أن المواقف الدولية إزاء الأحداث في الجنوب أصيبت بعطب كبير لعدم تبنيه قضية الجنوب حتى بلمسات من التعاطف، وشعور الجنوبيين بأن قضيتهم مطوقة بزنار مجلس الأمن الدولي طيلة سنوات ال 16 بفرض الشمال وحدته بقوة السلاح على الجنوب في صيف 1994م، ظل المجلس يمانع في فتح ملفه بقرارات أصدره، وأبدى مثالا سيئا في بيان إدانته الأخير للرئيس البيض بتنافيه مع طبيعة وظيفته في حماية الأمن والاستقرار، كان عنوان البيان إهانة تطلعات شعبه إلى الحرية، متجاهلة حقيقة وضعه دون مساندته حتى بإيقاف آلة القتل بعد أن أعطى الضوء الأخضر لفرض إرادة أمراء الحرب في صنعاء بقتلهم.
هناك قناعة مترسخة في أن الأوضاع التي آلت في الجنوب كان مخطط لها مسبقا، وإن ثورتهم التي انطلقت قبل ست سنوات حملت شعار "فك الارتباط" عن الشمال، وما تلاها من تهميش متعمد لقضيته التي في ظلها أباحت أطراف صنعاء المتنفذة الاستخدام المفرط للعنف لتضييق الخناق لكسر تطلعاتهم، وهذا الصمت المريب الذي قوبل به هذا الانتهاك الفاضح لا يمكن فهمه أو تفسيره غير مصادرة حريته، لان الإصرار الدولي وتأثيره المباشر على المشهد في الجنوب جاء على حساب مبادئ حقوق الإنسان، فحدود النار والدم محصور في جسده ولا يعنيه بشيء خير دليل حي على هذا عندما تقوم صنعاء بقتلهم، تخف ميزان كفتهم ليكون أمرا اعتياديا ومبررا بأنهم على ارتباط بالإرهاب أو حراك مسلح كما تدعييه وسائل إعلامهم المزيف، ليصبح صمتهم حقا على من يخالفها ويعرقل مصالحها، وكثيرا ما يؤلم الجنوبيين مشاركة وسائل إعلامهم بخبث لعلاقة مصالحهم بصناع القرار بإنتاجهم خطا مغايرا لواقع الجنوب وإقدامهم على صناعة الأحداث وليس نقله، ليشارك زورا وكذبا في تشويه وتعتيم قضية تقرير مصير حريته.
ثمة ما يشبه الإجماع على أن الأحداث في الجنوب تذهب إلى الأعمق بسبب تجاهل المجتمع الدولي لمطالب الجنوبيين، وتبقى مخرجات حوار صنعاء للمتصارعين على السلطة في الشمال لدفن قضيته، بعد أن ثبت أن تلك الأطراف المتنفذة تتصارع على مصالحها، لا يمكن أن يكون هناك تغيير حقيقي، بل حتى أنها لا تعترف بقضيته، ولا ترى فيه سوى نوع من قضايا مطالب معيشية، يسعون لمشاركتهم للالتفاف على إرادته وإنهاء أحقيته بتقرير المصير.