لم يكن تعاطي واشنطن مع الاوضاع والاحداث العالمية منذ عشرات السنين خفياً على المتابعين والمراقبين، فهي التي تتعاطى مع كل الأحداث من منطلق مصالحها بمعزل عن المصالح العامة للبشرية، تتغنى بالديمقراطية وحقوق الانسان وحماية البيئة والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل وغيرها من الشعارات البراقة الجميلة التي أضحت قرارات وقوانين ومعاهدات تفرض على كل دول العالم باستثناء الولاياتالمتحدةالامريكية التي تحتكر حق البحوث النووية وتعمل ليل نهار لخلق أسلحة متطورة عالية التدمير والموت. تقوم سياسة واشنطن على التدخل في شئون الدول الاخرى وتتنافس بصورة قذرة على الاستحواذ على السوق العالمي للسلاح ومختلف البضائع الاخرى منها المواد الكيمياوية والسموم التي تهدد البيئة، والسلام العالمي. وكانت واشنطن تهيمن بشكل مباشر وكبير على معظم المنظمات الدولية والمؤسسات الدولية المعنية بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تنطلق نصوصها من قاعدة احتكار واشنطن لتطوير وتحديث اسلحتها التدميرية ومنعها على الاخرين. واشنطن التي أعلنت صراحةً حربها على الارهاب الذي حددته بالتطرف الديني الاسلامي اتضح بما لا يدع مجال للشك وجود يد لها في دعم وتشجيع الجماعات الارهابية على مستوى دول العالم واستخدام العصابات والجماعات الارهابية لخدمة مصالحها وتوجهها السياسي بتهاون كثير من الأنظمة العربية والإسلامية واللعب بورقة الحرب على الارهاب لخدمة توجهها السياسي وتحقيق الكثير من المصالح الامريكية والاسرائيلية. وكانت الولاياتالمتحدةالامريكية يوم الثلاثاء الماضي ال19 من شهر يونيو الجاري، قد انسحبت من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، بمبرر "الإنحياز" ضد اسرائيل. وتوجهت السفيرة الأمريكية لدى الأممالمتحدة "نيكي هايلي" الى واشنطن لتعلن مع وزير الخارجية "مايك بومبيو" عن قرار الانسحاب. وهو الامر الذي يؤكد عداء الرئيس الامريكي دونالد ترامب للأمم المتحدة وللتعددية في العمل الدبلوماسي بشكل عام. القرار جاء عقب انتقاد مجلس حقوق الإنسان لواشنطن بسبب فصلها للأبناء القاصرين للمهاجرين غير الشرعيين عن ذويهم الذين يتطلعون للحصول على لجوء بعد دخولهم البلاد من المكسيك، لكن هايلي وجهت اتهامات للمجلس وقالت ان المجلس لفترة طويلة كان حاميا لمرتكبي تجاوزات لحقوق الانسان ومرتعا للإنحياز السياسي". وقالت: "نتخذ هذه الخطوة لأن التزامنا لا يسمح لنا بأن نظل أعضاء في منظمة منافقة وتخدم مصالحها الخاصة وتحوّل حقوق الإنسان الى مادة للسخرية". ويعتبر مجلس حقوق الانسان هيئة تابعة للأمم المتحدة التي تتخذ من جنيف مقرا لها أنشئت في عام 2006م لتشجيع وحماية حقوق الانسان في العالم. لكن اعلاناتها وقراراتها تضاربت في أغلب الاحيان مع أولويات الولاياتالمتحدة. وتبدي واشنطن امتعاضها خصوصا من إدانات المجلس للممارسات الإسرائيلية حيال الفلسطينيين في الأراضي التي تحتلها الدولة العبرية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وحاولت واشنطن تسخير المجلس وتطويعه لرغباتها ضد دول تعتبرها امريكا دول مُعادية لها مثل فنزويلا وكوبا. وأكثر ما يثير حفيضة الولاياتالمتحدة تجاه المجلس وتوجيه انتقادات له باستمرار لإدراجه ممارسات اسرائيل في الأراضي الفلسطينية على جدول أعمال جميع جلساته السنوية الثلاث ما يجعل الدولة العبرية الوحيدة التي يتم تخصيص بند ثابت لها على جدول الأعمال يعرف بالبند السابع. وكانت الولاياتالمتحدة قد رفضت الإنضمام إلى المجلس عند انشائه عام 2006م في عهد الرئيس الاسبق جورج بوش الابن عندما كان جون بولتون مستشار الأمن القومي الحالي للرئيس ترامب والمشكك في جدوى المنظمة الدولية، سفيرا للولايات المتحدة في الأممالمتحدة. ولم تنضم واشنطن إلى المجلس إلا في عام 2009م بعد وصول باراك أوباما إلى سدة الحكم في البيت الأبيض. هذا وتشير الخطوات الدبلوماسية الامريكية الجديدة الى انهيار السياسة الدولية لواشنطن حيث انه منذ تولي ترامب السلطة، انسحبت الولاياتالمتحدة من منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) وخفّضت مساهمتها في موازنة الأممالمتحدة، وانسحبت كذلك من اتفاق باريس للمناخ الذي تدعمه المنظمة الدولية، كما أعلنت انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني، وهكذا خطوة اقدمت عليها واشنطن في الانسحاب من اهم مؤسسة حقوقية تابعة للأمم المتحدة تمثل ضربة في سمعة واشنطن التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الأنسان وتستخدم مبرراتها تجاه الأنظمة المناوئة لها من منطلق الانتهاكات التي تزعم ان تلك الأنظمة تمارسها تجاه شعوبها او تجاه الأقليات وغيرها لتمارس ضغوطها الدبلوماسية على المنظمات الدولية بما فيها الاممالمتحدة ومجلس الامن الدولي لاتخاذ عقوبات تجاه تلك الدول التي غالباً ما تضطر واشنطن الى الانفراد في الحرب عليها في حال كانت هناك معارضة من الأعضاء الاخرين لمطالب واشنطن. كما ان هذه الخطوة وغيرها من الخطوات الاخرى من شأنها ان تصل بواشنطن الى عنق الزجاجة وعزل نفسها دبلوماسياً. وكل هذه الامور التي تجري بفعل السياسة الخاطئة لواشنطن انما تنبع من عنجهية وغرور النهج الامريكي دبلوماسياً وسياسياً الذي يتعاطى مع شعوب وانظمة العالم بمنهجية الجبروت والاستكبار، متغابياً ان عالم اليوم قد تغير كثيراً عم كان عليه بالأمس اذ ان نضرية القطب الواحد قد انتهت والى غير رجعة وما فشل اسقاط النظام السوري الا دليل قاطع على ذلك..