إننا نرى تعاونا دوليا جيدا ، ومتوازنا سلميا بين مصالح بعضنا البعض ، وحتى مشروع السلام الاوروبى ، نرى كل ذلك في موضع شك مرة اخرى". تلك الكلمات كانت للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في المنتدى العالمي للسلام الذي عقد أمس في باريس ، التي تحتفل بمئوية إنتهاء الحرب العالمية الأولى. نستشف من تلك الكلمات أن تغيرات جذرية سوف تطال البلد الأكبر في أوروبا. خاصة وأن مركل أعلنت عن نيتها التنحي عن رئاسة حزبها الحزب المسيحي الديمقراطي بعد شهرين ، و عن قيادة ألمانيا بعد عام ونيف. إذا افترضنا القول إن الديمقراطية الألمانية ستمنى بهزيمة بخروج المستشارة الألمانية نتساءل هل ستهزم القيم التي تبنتها ودافعت عنها ألمانيا في عهد مركل ، فتمتد من الموقف الأخلاقي المتقدم حيال المهاجرين إلى التصدي لزحف الشعبوية المدعوم بجيران الشرق، وعلى رأسهم الهنغاري القومي فيكتور أوربان، وب حلفاء الغرب، وعلى رأسهم زعيمة القوميين الفرنسيين مارين لوبان. الاتحاد الأوروبي الذي بقيت ألمانيا (وفرنسا) كالقلعة المحاصرة في الدفاع عنه، قد يسقط وينطوي. في المقابل، هذه بعض عناوين القيم التي ترتفع بانتصار منافسه ميركل : تمجيد العرق الآري الكراهية، الممزوجة بالاحتقار، لحقوق الإنسان والأجانب . كلمات ميركل المقتضبة في المنتدى العالمي للسلام تفتح الطريق لقراءات أخرى للسلم و التعاون الدولي ومدى إستراتيجية مشروع السلام الأوروبي. تأتي كذلك عبارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي وردت في كلمته أمام 72 من رؤساء الدول والحكومات حضروا الاحتفال المئوي ، التي إعتبر فيها القوميين الشعبويين لا وطنيين. رمزية تلك العبارة هي، تهديدات الفكر الشعبوي القومي لاستمرارية الوحدة الأوروبية، وتشكيله خطرا على الأمن والسلام الدوليين. هذا النكوص إلى الأسوأ ، يستولي اليوم على أفق أوروبا. القوميون في السويد أحرزوا خمس الأصوات في الانتخابات العامة في سبتمبر الماضي ، حزب الشعب الدنماركي " حزب قومي " يستحوذ على ربع المقترعين ، بريطانيا خرجت تقريبا من الإتحاد الأوروبي " رغم الإحتجاجات الأخيرة ". وإذا أحصينا البلدان الأوروبية التي تحكمها شعبيات قومية ، اصطفت في صف واحد بولندا وهنغاريا والنمسا وإيطاليا.. وغدا ربما ألمانيا. ميركل وماكرون عبرا أمس من باريس عن نيتهما "خلال ما تبقى لهما من ولاية انتخابية " على استخلاص أوروبا من براثن القوميين الشعبويين وعلى إعادة تثبيتها على طريق الوحدة الأوروبية والتعاون الدولي والحفاظ على السلام في أوروبا والعالم ، طالما ذلك لازال ممكنا.