تجرى في الوقت الحاضر, جهود حثيثة لعقد مفاوضات سلام ما بعد اتفاقية السويد, ومناقشة أوضاع الفترة الإنتقالية ومسائل نقل السلطة. لكن هناك دائما من يفقد الذاكرة ويوجه كالعادة محور التركيز في اختيار المشاركين في المفاوضات إلى الأحزاب والقوى السياسية والحوارك المتصارعة وحدها. وينسون أن معظم قادتها وعناصرها هم أمراء وتجار حروب, مجبولين بالعنف والثار والنهب والقتل, ينتمون إلى مناطق وقبائل متنافرة و معزولة ومقصية, ليست لهم قواعد متأصلة في المدن اليمنية المدنية المسالمة الرئيسة. ومع أن السلام محبوب عند الكل, مع ذلك لم يدفع أحدا بعد من تلك الأحزاب والقوى السياسية والحوارك أية أفكار أو مبادرة سياسية ذات قيمة, لأنه في الأصل ليست لها قضية ولا أفكار ولا رغبة كافية في تحقيق السلام العادل المنشود. وكان, ولم يزل, كل حرصها وإهتماماتها ينصب إلى إبقاء الإتصالات والمناقشات قائمة على وقف القتال وتقاسم السلطة. الحق الثابت, هو أنه عندما قررت بريطانيا أن تتوارى عن مستعمرتها عدن لم تسلم السلطة السياسية لأبناء عدن, مع أنه كان في المدينة نحو سبعة أحزاب سياسية نشطة, منها خمسة أحزاب عدنية صافية ونصعة, في داخلها ثقافة سياسية حضارية ومتطورة, و مؤهلة لتُخصب الحياة, وكفيل بتوسيع الحريات العامة والحفاظ على حقوق الإنسان وعلى قدراتها وإمكانياتها, وتعزيز التنمية الإقتصادية والبشرية. لكن بريطانيا تعمدت أن تخلف وراءها تركة ثقيلة من القذارات المبهمة كان من الصعب على أبناء عدن تجاوازها بعد أن صار الأمر, ووقعت فرييسة قوى قبلية عسكرية وحزب وحوارك سياسية شرسة شديدة الولع بالعنف, هي الأسوأ في تاريخ الإنسانية. تصارعت بشراسة فيما بينها دمويا العديد من المرات, وفتكت بالمدينة وتعرضت الحياة الحضارية فيها للإغتيال. وخسرت عدن كل شيء أبناءها وممتلكاتها وإشراقتها وإزدهارها الحضاري والتجاري الذي كان قد شيده وتدبره أبناؤها طوال العصور التاريخية المختلفة. و الآن, وجب أن تكون التعددية السياسية والحزبية وصون الحقوق والحريات العامة للشعب, والدولة المدنية الحديثة, وتحقيق العدالة لعدن, هي أبرز عناوين هذه المفاوضات. كأن تمنح عدن صلاحيات المدينة ذات الإدارة الخاصة. ويكون لأبناء عدن القدرة لاختيار مسار حياتهم, والحق والوسائل اللازمة لإدارة كافة أمور وشئون مدينتهم, في إطار النظام القانوني والسيادي للدولة. وتغييب ذلك يمثّل صراحة العزم نحو حُكم استبدادي قمعي مُطلَق وعودة المشهد الدموي إلى البلاد.