لقد أصبحت عدن تعيش في وضع دراماتيكي مخيف ، فكلما تحقق بصيص أمل لهذه المدينة العريقة التي انبثق منها النور وكانت لؤلؤة الجزيرة العربية تعود مجدداً لتعيش حالة من البؤس والظلام. لكن وبكل أسف أصبح وضعها اليوم كارثي ، فهي تئن وتصرخ من أبناء جلدتها الذين أتوا من القرى والأرياف والبوادي ، حيث أصبحت مدينة مغتصبة ولا تجد من يحميها ويغار عليها. لقد أصبح حاميها حراميها ، وأصبح لسان حال أبناءها يحمل كل ما يحدث فيها الإماراتيين ، وهذا هروب من الواقع وعدم اعتراف بالجريمة. فالجنوبيون هم من يمارس كل هذا العبث ، وهم وحدهم من يجب أن يحاسب ، لأنهم أصبحوا الحكم والجلاد وعدن هي الضحية ، هم المسؤولون عن نهب الأراضي وتشويه جمال هذه المدينة الساحرة. هل يعقل أن نطالب الآخرين بالتصدي لهذا العبث؟ وهل ينبغي أن نطالب دولة الإمارات العربية المتحدة كي تحل لنا إشكالية نهب الأراضي وإزالة المباني العشوائية.؟ أم أن المسؤولية الأخلاقية والوطنية تحتم علينا محاسبة كل الفاسدين الذين تسببوا بنهب الأراضي وأغرقوا عدن بالمباني العشوائية ، وجعلوها تعيش في غياهب الظلام. أعتقد أن أمامهم خيارين لا ثالث لهما: إما أن يتحملوا المسؤولية بكل أمانة وإخلاص وحكمة واقتدار ويعيدوا لها ولو بصيص أمل ويرسموا البسمة على وجوه أهلها ، أو يعترفوا بفشلهم وعجزهم وعدم قدرتهم على إيقاف كل هذا العبث ، ويعلنوا لدول الإقليم والعالم أنهم أصبحوا مجرد ظاهرة صوتية وغنم بدون راعي. لكن أن نلقي بضلالنا على الآخرين ونهاجم دور الإمارات فهذ عمل اتكائي وارتجالي لا يصب بمصلحة الجنوب ، فيجب أن تكون أعمالنا مدروسة ونستفيد من أخطاء الماضي. بالأمس طردنا بريطانيا من الجنوب لأننا أحرار. وتقاتلنا في 13 يناير قتال مناطقي وجهوي لأننا أحرار. وأسسنا الحراك الجنوبي في 2007 لأننا أحرار. وحررنا عدن في 2015م من الاحتلال الشمالي لأننا أحرار. واليوم نطالب برحيل التواجد الإماراتي من الجنوب لأننا أحرار. وغداً سنحقق مجزرة فيما بيننا على غرار ما حصل في روندا ونقول أحرار. سندمر الحجر والشجر ونقتل البشر كي نقول أحرار. لم يعد للحرية أي مستقبل في الجنوب ، فإذا كانت الحرية بمفهوم البعض تعني أن نبقى في دوامة الصراعات والخلافات وضياع الحاضر والمستقبل فهذه فلسفة خاطئة وحرية حمقاء لن تشرق فيها الشمس ولن يشع فيها فجر النور. يا أحرار الجنوب: متى ستفيقون وتعرفون قيمة الوطن؟ وهل يوجد رجل رشيد كي يضع حد لهذه الرعانة؟ الحوثيون أتوا من الكهوف واستطاعوا أن يروضوا قبائل جبارة ويطبقوا هيبة القانون رغم أن العالم كله يحاربهم ، ولكنهم قدموا نموذجاً وأثبتوا للعالم أنهم أفضل منا حالاً ، بينما أنتم أثبتم للعالم أنكم منقسمين إلى فسطاطين: مجموعة حمقى تقاتل خارج حدود الجنوب الجغرافية بدون أي مقابل ، ومجموعة أخرى تنهب الأراضي في عدن وتغير المعالم التاريخية وتشوه الحضارة المدنية. في عدن لم تحترم شوارع رئيسية ، ولا معالم تاريخية ، ولا أملاك عامة ، ولا مساجد تاريخية ، ولا كنائس ، ولا مقابر ، ولا جامعات ، ولا بحار.. كلما أتى لص نشال إلى عدن بسط على أرض عشوائية وأسس بنيانها ولا من رقيب أو حسيب. أتساءل: هل هذه أخطاء وسلبيات الاحتلال الإماراتي كما يزعم أصحاب الوطنية الطافحة.؟ أم أنكم أنتم أصل المشكلة ومنبعها..! لماذا نحمل فشلنا الآخرين ونقدم أنفسنا باعتبارنا نموذج متميز وأيقونة ناجحة ، قليل من الحياء لو سمحتم ، لأن رائحتكم فاحت ، وأثبتم للعالم أنكم مجرد فاسدين وظاهرة صوتية لا تقدم للوطن إلا قبحاً ، مع كامل الاحترام للشرفاء والمخلصين الوطنيين!!