رغم أن أساب ودوافع استقالة وزير خارجية الحكومة الشرعية اليمنية خالد اليماني لم تعرف حتى الآن ولم يتم الإفصاح عنها ولا التصريح بها سواء منه أو من الحكومة, غير تكهنات من هنا وهناك حامت حولها, وافتراضات بنيت على نتائج مؤتمر وارسو وكذا نتائج مفاوضات استكهولم الذي تمخض بما يسمى اتفاق الحديدة. تلك الاستقالة التي دفعت الرئيس هادي والحكومة الشرعية اليمنية إلى أن يبعثوا برسالة شديدة اللهجة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوثيريس يدعونه فيها إلى إقالة مبعوثة الخاص باليمن مارثن غريفيث وإنهاء مهامه, إلا أن الأمين العام ومجلس الأمن الدولي جددوا ثقتهم بالمبعوث وعززوها لا ندري بماذا؟ قد يكون باستبعاد الجنوبيين من أية مفاوضات يمنية قادمة. ولماذا؟ لأن الجنوبيين هم الطرف الأقوى على الساحة لا ينبغي لهم أن يلهثوا هم وراء إشراكهم في مفاوضات أقل من مستوى مطالبهم. لكن الأشد وطأة في النفوس هو التعتيم على أسباب استبعاد الجنوبيين عن المفاوضات القادمة كما أن السكوت على التعتيم من قبل المكونات والقوى السياسية الجنوبية وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي هو أمر صادم. حيث كان المفروض عليهم إخراج المواطنين الجنوبيين من ريبتهم وحيرتهم بنشر توضيح لذلك الاستبعاد في أخبارهم اليومية أو عبر بلاغات صحفية أو حتى بيانات. وأهم الأسباب التي تضمنتها الرسالة ممارسات غريفيث مع الحوثيين بأنها قامت على فرض أمر واقع والتصرف معهم كحكومة وأنه يميل إليهم ينفذ إملاءاتهم بل وربما يفرضها على الحكومة الشرعية اليمنية التي هي طرف والحوثيون الطرف الثاني الندي لها في كل المفاوضات. هكذا كان الرفض من طرف الحكومة على أساس أسباب متعلقة بالحوثيين فماذا جرى وما هي التغييرات التي طرأت حتى يعود المبعوث الأممي مارتن غريفيث يحيي المفاوضات بين الطرفين من جديد حكومة وحوثيين وليس شمالي جنوبي, يلتقي الحوثيين وزعيمهم في صنعاء ويلتقي الحكومة الشرعية اليمنية والرئيس هادي في الرياض كطرفين أساسيين للمفاوضات لا ثالث لهما لحل الأزمة اليمنية. المسألة لا تحتاج إلى اجتهاد كبير لتفسيرها أو تفكير طويل لاستخلاص ما تضمنته تلك الرسالة التي في الأساس كان رفضا قاطعا لمشاركة الجنوبيين في أية مفاوضات تتعلق بالأزمة اليمنية, حتى وإن التقى المبعوث الأممي بمكونات جنوبية وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي وسعى إلى إشراكهم في المفاوضات كطرف أساسي لحل الأزمة اليمنية. فإن ذلك السعي لم يكن مقبولا لدى الحكومة الشرعية اليمنية بإصلاحييها ومؤتمريها فافتعلت الأزمة مع المبعوث الأممي والمطالبة بتغييره لتصفير العداد وبدء المفاوضات من جديد من البداية مع مبعوث آخر والذي سيلقى هو وكل مبعوث يعين من بعده نفس مصير جمال بن عمر واحمد ولد الشيخ بمجرد وذلك بمجرد الوصول أثناء المفاوضات إلى النقطة التي تتطلب إشراك الجنوبيين وتدعوهم للجلوس على طاولة الحوار تحت سقف اليمن.
إن المبعوث الأممي لم يعد يكترث بالجنوبيين وقضيتهم ولا بوعوده التي قطعها لهم ليشاركوا في المفاوضات هذه المرة ولم ولن يدعوهم بقدر ما اكتفى بلقاء الطرفين الشرعي والانقلابي الأمر الذي يؤكد أن الأمين العام ومجلس الأمن الدولي وافقوا على استبعاد الجنوبيين من المفاوضات التي ستجري والتي نتائجها من المؤكد معروفة مسبقا لن تختلف عن سابقاتها مصيرها الأدراج ولن تلقى النور ولن تجد من ينفذها. وردا على سؤال كان عنوانا لأحد مقالاتنا: من يصدر القرارات؟ الشرعية الدولية أم الشرعية اليمنية! ومن ينفذها؟ نستنتج الآن أن القرار تصدره الشرعية اليمنية التي ليس لها نفوذ على أي بقعة في الجنوب ولا في الشمال, وعند رغبتها تقوم الشرعية الدولية بالتنفيذ كونها تتمتع بدعم واعتراف دوليين وهو ما لا يحظى به الجنوبيون. بل ويفتقرون لأية أوراق ضغط يضغطون بها لانتزاع أي دعم أو اعتراف دولي غير مقدرتهم على توفير الأمن والاستقرار في الجنوب والمنطقة وحتى بالنسبة للعالم أجمع ولو على حساب مستقبلهم ومستقبل قيام دولتهم وليس لهم ميول إلى غرس أسباب الاضطرابات وتصبح دولتهم في منطقة مضطربة.
وكون الحكومة الشرعية اليمنية هي الحلقة الأضعف في المفاوضات مع الحوثيين, فإن المفاوضات القادمة ستكون مخصصة حول ملفي الحديدة وتعز حيث لا وجود للحكومة الشرعية ولا للحوثيين ولا أثر. فعلى ماذا سيتفاوضان؟ وكيف سيجري التفاوض وما هي الشروط ونقاط التوافق والاختلاف؟! وهل سيعدل وزير خارجية الحكومة الشرعية عن قراره ويسحب استقالته بضغط أممي أم سيتمسك بالاستقالة ولا رجعة عنها؟!