تطبب من لم يكن طبيباً ، ومما لا يخفى على كل لبيبٍ أن الطب والصيدلة من أشرف المهن على الإطلاق في المجتمعات البشرية دون استثناء لما لها من إرتباطٍ وثيقٍ بإنقاذ حياة البشر، ولأن بقاء الإنسان هو بقاء العالم ، ولِمَا لها من مكانة رفيعة نلت شرف الصدارة في الحديث عنها مؤنباً من يحاول أن يحول مسارها الصحيح إلى مسار عبثي بأرواح البشر و جعلها مهنة تجارية بحته لا خدمية.. فمع تفشي عدم الأمن في السنوات الأخيرة ، وعدم تفعيل جهاز الرقابة بشكل تام من قبل وزارة الصحة والمجلس الطبي اليمني، حتى صارت الأخطاء الطبية من أكثر الظواهر التي تؤرق اليمنيين ،وازدادت الكوراث الإنسانية يوماً بعد يوم وراء تساهل وتغافل من المؤسسات التي يعمل فيها الأطباء والصيادلة والمختبريين والفنيين ، فما حدث لمدير شركة سبأ فون في محافظة إب قبل أشهر ليس ببعيد عنا ، وكذلك ما تداولته وسائل الإعلام هذا الأسبوع في تسبب موت امرأة من قبل راقٍ شرعي عن طريق الصعق الكهربائي، كلها تحت مبررات واهية -أخطاء غير مقصودة- بأرواح البشر ؟! وكذلك ما تداولته وسائل الإعلام العام المنصرم في قضية الطفلة بتول الحيمي في العاصمة صنعاء والتي راحت ضحيةً وراء خطأ طبي ناتج عن تصرف أحد طلبة الطب القائم بالنيابة في حالة غياب الدكتور المتخص ، وهناك عشرات الضحايا أُزهقت أرواحهم ، منهم من أصيب بشلل كلي وإعاقة مستديمة أو مرض مزمن يلازمهُ مدى حياته كل هذه ناتجة وراء ما يسمى بأخطاء طبية إما فنية أو عادية ...فلسنا بمقام ذكر احصائيات دقيقة في هذا السياق ، وانما سلطنا الضوء على بعض من النماذج كي تتضح الفكرة لاغير. ولا ندري هل ستنتهي الحكاية هنا أم تبقى الجهات الرقابية المختصة والحكومة في غيابات الجب ! ويمكننا في هذا المقام أن نتساءل مستفهمين أين يأتي دور المجلس الطبي والذي يقوم دوره بالرقابة على التعليم الطبي في الجامعات والمؤسسات العلمية التي تُعنى بالشأن الطبي والرقابة عليها من حيث صلاحيتها للتعليم والتزامها بمتطلبات التعليم، ومحتوى منهج التعليم، وأسلوب تقييم الخريج، وتكون هي نفسها مشرفة على امتحانات التخرج، وبعد هذا يعود المجلس الطبي بوضع امتحاناته الخاصة لكل خريج لكي يسمح له بالمزاولة، فلا يوجد من يزاول المهنة في أي بلد سواءً عربية أو غير عربية مالم يكن حاصلاً على ترخيص من المجلس الطبي في بلده الذي يسمح له بممارسة المهنة، أما إذا لم يجتز اختبار المجلس فلا يجوز له مزاولة المهنة على مستوى الخريجين، بعد هذا يكون المجلس الطبي معنياً بالرقابة على أداء المنشآت الطبية، ولكن يهمنا في الأداء معالجة أو تقويم الاعوجاج إذا كانت هناك ممارسات طبية خاطئة كما صرح بذلك رئيس المجلس الطبي الاستاذ الدكتور : زايد أحمد عاطف في إحدى لقاءاته على صحيفة الجمهورية ، ثم أردف قائلاً حول مهام المجلس الطبي: بتصوري أن وجود المجلس الطبي وتقييمه للمنشآت الصحية وأدائها هو الذي سيطور أداءها عندما تشعر المنشآت أن هناك رقابة تراقب أداءها، فلهذا المجلس الطبي عمله ذو شقين، شق تعليمي وشق رقابي، وكذا من أهم أدوار المجلس الطبي الحفاظ على حقوق المرضى والرقابة على المهنة وتطوير أداء المهنة عبر لجنة التعليم الطبي المستمر حيث فعلنا هذه اللجنة عندما أنشئ المجلس الطبي، وما تعني لجنة التعليم الطبي المستمر أنه حتى الطبيب الممارس الذي يملك ترخيص مزاولته للمهنة يخضع دورياً لمتطلبات التجديد لترخيصه، ومن ضمن متطلبات التجديد أن تكون لديه حصيلة من التعليم الطبي المستمر وتعني عدد ورشات العمل والمؤتمرات الطبية التي حظرها والأبحاث العلمية وأوراق العمل التي شارك فيها أو ما شابه ذلك، هذه مهام المجلس الطبي بشكل عام . أما عن الصيادلة فحدثوا ولا حرج ، فمما يؤسفنا حق الأسف أن تصبح مهنة الصيدلة خصوصاً مع تفشي تواجد الصيدليات بشكل هائل مهنة ربحية تجارية يستابق إليها كل طالب تهوى نفسه للعمل التجاري بنكهة طبية مُشرفة أمام المجتمع ، ومما يلفت الإنتباه والدهشة أنك إذا زرتَ بعض الصيدليات في القرى والأرياف ، ستجد صاحبها لايحمل أي مؤهلٍ جامعي سوى الخبرة التى قد لا تتجاوز مدتها بضعة أشهر إكتسبها من أحد أقاربه أو أصدقائه ،ومن ثَمَّ تجده واضعاً شهادة أحد أصدقائه في واجهة المكان الذي يعمل فيه مقابل أجرة سنوية يدفعها لصاحب الشهادة ، مبرراً ذلك أنه مجرد مساعد صيدلي لاغير ، وليس مالكاً لتلك الصيدلية أو مخزن الأدوية في حين لزم التفتيش من قبل الجهات المختصة ...متجاهلاً المفهوم الحقيقي للصيدلي بأنه الشخص الذي يقوم بتحضير الأدوية واستخدامها في معالجة الأمراض والتحكم بها والوقاية من حدوثها، ، لذا فإن السبب الذي جعل هذا الشاب يمارس تلك المهنة دون أيُّ قلقٍ أو خوفٍ يكمُن كما أعتقد في إطار سببين لا ثالث لهما: أنه استغل تلك البيئة التي لم يحالفها الحظ بتأهيل أحد الطلبة للتفرغ في الدراسة ؛ لعدم توفر القدرة المالية مما جعل معظم ابناء المنطقة يتجهون نحو العمل في المهن والحرف اليدوية ، أو خارج الوطن ثانياً : أو بسبب رداءة التعليم في تلك المنطقة التي تلقى تعليمه فيها ، مما صعُب عليه الإلتحاق بإحدى كليات الطب ، فأُتيحت الفرصة للطرف الأول بمزاولة تلك المنهة بكل جرأة ...فمن خلال هذا المنبر الحر فإننا نناشد الجهات المعنية ممثلة بوزراة الصحة ونقابة الأطباء والمجلس الطبي اليمني ، وبالتكاتف مع منظمات المجتمع المدني بالقيام بالدور الإنساني أمام الشعب اليمني بسد هذه الثغرة والكارثة الإنسانية، وذلك بإعداد دورات تدريبية ، وورشات عمل ، وامتحانات تقييمية خصوصاً لحديثي التخرج بالتنسيق مع المستشفيات الحكومية والخاصة ، وتنشيط أو تفعيل الدور الوظيفي للمجلس الطبي وفقاً للقانون ، والإهتمام والتركيز على الجانب التطبيقي في الجامعات والمعاهد أكثر من الجانب النظري ، وتوفير كل الوسائل والأجهزة الطبيةالحديثة التي يحتاجها الطالب في إطار سنوات الدراسة حتى يتخرج بكفائة عالية يتمكن من خلالها إنقاذ حياة المرضى، وحتى لا تتكرر الأخطاء ، وتُزهق أرواح اليمنيين عبثاء دون أي مبالاة ورقابة قانونية..