إن هناك أخذاً ورداً وشداً وجذباً في مسألة الحوار الوطني من عدمه، وبدلاً من أن يمارس الرئيس عبدربه منصور هادي مهام عمله واختصاصه كرئيس للجمهورية أخذت مافيات القبيلة الأمر في الاتجاه المعاكس وفهمتها على أنها الوريث الشرعي للإمامة بحسب قرار محمد ناجي أحمد في كتابه (الهوية الضائعة) وأعمتها جاهليتها الأولى عن التعامل مع مستجدات قوة هذا الرجل من مجلس التعاون الخليجي في مبادرته ومجلس الأمن الدولي في قراره رقم (2051) الصادر في 3 أبريل 2011م ورقم (2041) الصادر في 26 أكتوبر 2011م ومن الشعب في الانتخابات التوافقية في 21 فبراير 2012م. لم تخلص القبيلة المتنفذة مع نفسها ومع الرئيس هادي وتقاسموا الأدوار في موقعة (الضحك على الذقون)، إذ أصدر الرجل قرارته وهب الأفندم فلان يعرب عن تأييده للقرارات، وسمعنا صوت الشيخ فلان وهو يهلل ويكبر وتبدلت الوجوه وتغيرت الجلود، وكأنه مشهد مستنسخ من الدرك الأسفل من جهنم، وبدأ الأفندم فلان يقول: جئنا سوا مع عبدربه وسنرحل سوا. وقال الشيخ زعطان: نحن الذين نصنع الرؤساء، وكما جئنا بعبدربه سنبعده، وهنا يفيد محمد ناجي أحمد نفسه بأن حاشد هي وريثة بيت حميد الدين.
جاء مبعوثون إسرائيليون وظهر السفير الأمريكي في مكتب الرئيس هادي تارة وتارة أخرى في مكتب أحمد علي وثالثة في مكتب علي محسن، وانتصر الإسرائيليون لإرادة علي محسن في البقاء في منصبه، وتولد انطباع لدى رجل الشارع أن هناك حبا مفقوداً بين الرئيس هادي وبين حيتان القبيلة المتنفذة صاحبة القوة والنفوذ.
مسألة الاحتفال بالذكرى الأولى لتولي الرئيس هادي مقاليد السلطة غير واردة على الإطلاق في أذهان ورثة بيت حميد الدين إلا أن متغيرا برز في الأفق وهي تصفية حسابات مع الجنوب ممثلاً بالحراك الجنوبي الذي طغى على المشهد السياسي وأصبح أمراً واقعاً، وشوكة في خاصرة ورثة بيت حميد الدين، فوظفوا المكيافيللية على أوسع نطاق، وهي النزول إلى الجنوب وتحديداً عاصمته عدن للاحتفال بهذه المناسبة على قاعدة (مكره أخاك لا بطل).
سار مخطط القبيلة بمنتهى الدقة، وسر ذلك عند الإمام الشوكاني، فهم الشيوخ وهم العسكر وهم الأمن القومي وهم الأمن المركزي وهم الحرس الجمهوري، فدشنوا حملتهم باعتقال عدد من الرموز منهم الشيخ حسين بن شعيب والسفير قاسم عسكر وحاصروا الضالع وردفان وأغلقوا المنافذ بين عدن والمحافظات الجنوبية وكل مداخل خورمكسر والشيخ عثمان وكريتر وعطلوا خدمات الانترنت، وقدمت أعداد من محافظات شمالية واختاروا ساحة العروض بخورمكسر التي يستخدمها الحراك الجنوبي في عاصمته عدن وظهرت في المقدمة يوم الخميس 21 فبراير 2013م مجاميع الإصلاح على أنها هي صاحبة الاحتفال، ولو ظهر إصلاح عدن بكل قوامه فهذا حق دستوري لهم ولكن أن تظهر مجاميع من محافظات شمالية وبأموال حميد الأحمر فهذا مرفوض رفضاً قاطعاً.
ظهرت شعارات غير جنوبية مثل شعار "الوحدة أو الموت" والمقصود منه "الوحدة أو أنكم يا أهل الشمال ستموتون جوعاً" وقلناها مليون مرة أن الوحدة مستمرة وهي (استمرار نهب أراضي وثروات الجنوب) و(استمرار طغيان ورثة بيت حميد الدين).
مشهد نشاز ظهر في الساحة وأصبح شاهد إثبات لصالح الجنوب، وهي رقصة البرع، رقصة ورثة بيت حميد الدين (بحسب توصيف محمد ناجي أحمد) وكان الاحتفال قصيراً شابه القلق والخوف.
قامت مليشيات الإصلاح والأمن المركزي وقوى أخرى تابعة لورثة بيت حميد الدين وبيت حميد الأحمر بارتكاب مجزرة الخميس التي راح ضحيتها أكثر من (10) قتلى وعشرات الجرحى، وخدمت المجزرة قضية الجنوب وعززت موقف الحراك الجنوبي وأحرقت كرت الإصلاح الذي لن تقوم له قائمة في عدن، أما الحوار الوطني فقد أصبح غير وارد على الأذهان.. فقد وضعت المجزرة حجراً في حلق كل جنوبي راغب بالمشاركة في الحوار.
أقول لورثة بيت حميد الدين وحميد الأحمر: مجزرة الخميس كش ملك حوار وطني، لأن أرواح ودماء الجنوبيين ليست بهذا الرخص، فهي أثمن من جبال من ذهب وزمرد وياقوت.. لسنا منبوذين ولستم براهما.