ما أحوجنا اليوم إلى العفو والتسامح، إلى نسيان الماضي، وطي تلك الصفحة من حياة الاستقواء ضد بعضنا البعض نتيجة الصراعات السابقه والاحداث الاخيره.يجب ان لا يتمسك كل طرف بموقفه دون تراجع، من تصلُّب في الآراء والمواقف نكايةً بالآخر، الوضع لايحتمل مزيدامن تصفية للحسابات على حساب القيم والمبادئ والأخلاق ونحافظ عالوطن ولم الشمل كفى قتل وإزهاق الروح والنفس التي حرّم الله وتبرير ذلك كلا حسب توجهه. وكذلك استخدام ما يمكن لتبرير الموقف وإعلان الانتصار على الآخر، سواءً بالكذب والبهتان، أو تزوير الحقائق وتزييفها، أو إرهاب الناس ومحاربتهم في قوتهم وحياتهم ومعتقداتهم، أو مصادرة الحقوق والحريات تحت أي مبرِّر. مما نشهده اليوم. ولذلك كله لابد من الدعوة إلى التسامح ونشر الثقافة بين الناس والعيش والتعايش السلمي المجتمعي على مستوى الحي والمدينة والمدرسه وفي الجامعه وفي كل مؤسسات المجتمع المدني والحكومي والسعي إلى العمل من جديد والبناء، وقبول الآخر، وابداء المصداقية في ذلك وحسن النوايا لتغيير الحال وتبديله وإيجاد الحلول والأفكار القادرة على لمِّ وجمع الكلمة والعيش بحب واحترام وكرامة، والدعوة إلى التسامح بين أبناء المجتمع الجنوبي، وحقن دمائهم وصون أعراضهم، وممتلكاتهم والحفاظ على هويتهم الجنوبيه وانتمائهم العربي وعقيدتهم الإسلامية الحنيفه أحزاب ومنظمات وجمعيات، كلها ذات أفكار وأيديولوجيات مختلفة لكنها ضمن الهوية الجنوبيه، ولا يتأتى ذلك التعايش والتسامح ونشر الحب والوئام إلا تحت سقف الدين الإسلامي وعودة الوطن الجنوبي الذي يجمع الكل ويجعل الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين ابيني وضالعي ولا يافعي وحضرمي وشبواني ولحجي ولا مهري وسقطري او عدني وصبيحي وردفاني , ولاأبيض وأسود إلا بالتقوى، بعيداً عن العصبية والقبلية والحسب والنسب والمناصب. الكل سواسية أمام االقانون، بعيداً عن المجاملة والمحسوبية، والمصالح الضيقة وتصفية الحسابات، فيقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات من الآية:10]، و{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ 0للَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات من الآية:13]. فبنشر هذه الثقافة وتفعيلها بين الناس بصدقٍ ونيةٍ صافية؛ يعود نفعها على الناس جميعاً، يعود خيرها على المجتمع الجنوبي في كل المحافظات ، يعود نفعها وخيرها على البشرية جمعاء. فبالتسامح والعفو والمحبة والود بين الناس يسود، الاحترام المتبادل،والتعايش السلمي بين الناس باختلاف أفكارهم ومشاريعهم الفكرية . وكذالك يسود الوئام والحياة الطيبة بين فئات المجتمع، ونبذ العنف والقوة وتصفية الحسابات وإزهاق الأرواح بلا أدنى سبب أو شبهة، لابد من نشر الأمن والأمان بين الناس، وتبادل المنافع والخبرات بيسرٍ وسهولة بين مختلف التيارات والأحزاب والجمعيات المدنيه وأخذ ما ينفع ويفيد "الحكمة ضالة المؤمن أنَّا وجدها فهو أحق بها"، الحياة الكريمة والعِزَّة والكرامة لشعبنا واجتماع الناس على كلمة واحده تحت ثقافة التسامح والعفو ونسيان الماضي وفتح صفحات جديدة مشرقة تعود على شعب الجنوب العربي بالنفع والفائدة واجتماع الكلمة وتوحيد الصف،اذا اردنا النمو والنهوض بالوطن والتقدُّم في جُلّ المجالات المختلفة السياسية، الثقافية، الاقتصادية، الأمنية، التعليمية، والسعي إلى امتلاك القرار والاكتفاء الذاتي. كل ذلك يتأتى بوجود الفهم والوعي والعيش والتعايش والتسامح ونشر المحبة والسلام ووجود الرغبة الصادقة والنية المخلصة والإيمان العميق بذلك والأخذ بالأسباب والتوكل على مسبِّب الأسباب سبحانه وتعالى حينها ننطلق نحو النمو والنهوض والنجاح واللحاق بالآخرين والتفوق عليهم. وبالتسامح والعفو والتعايش السلمي بين الناس تقل الجريمة وينعدم الثائر والتفكير في الانتقام واحتساب ذلك لله سبحانه والعفو عند المقدرة وجعل العفو شكراً لله على القدرة على الظالم أو المعتدي وغيره؛ ينعم الناس بالحياة السعيدة والأمن النفسي وذهاب الإحباط والأمراض النفسية والاكتئاب، تعود معظم القيم التي ذهبت أدراج الرياح بسبب الواقع اليوم الذي تعيشه الأمة الإسلامية كافة والجنوب العربي خاصه ،فلابد من خلق التعاون والتكافل، والتواد والمحبة،و حب الخير ونشره بين الناس، الإيجابية في المجتمع وتقديم ما يخدم الوطن وإيجاد الحلول والإبداع في ذلك بحب واحترام وتقدير وتفاهم، وتفاني في ذلك. وقد بيّن لنا الدين الإسلامي الحنيف هذه الثقافة المهمة والهامة وتم وضع قواعد وأسس تساعد على نشر هذه الثقافة بين الناس علينا خلق ثقافة لتعامل مع الآخرين باحترام ومجادلتهم بالحسنى؛ فقال تعالى في القرآن الكريم: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت من الآية:46]، وتم النهي حتى عن السب والشتم للآخرين فقال: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام من الآية:17]؛ رغم اختلاف الدين. • فما بالكم باخوانا لكم في الجمهورية العربيه اليمنيه ودول الجوار وكذلك دعا الإسلام إلى التعايش وقبول الآخر بضوابط معينة وتعايش مشترك كما هو واضح مع الذميين والمستأمنين ومن تم إعطائهم الأمان وكذلك قبول التعامل مع أهل الكتاب والأكل من ذبائحهم وكذلك الزواج من نسائهم، قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ} [المائدة من الآية:5]. • وكذلك تم السماح بالتعامل مع الآخر وأخذ ما ينفع وقبوله كما حصل في صيام عاشوراء، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بموسى منهم» (رواه مسلم)، وصام عاشوراء وأمر بصيامه وتميز عنهم بصيام يوم قبله أو بعده مخالفةً لهم وهناك الكثير من المواقف والأمثلة لتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الآخر والتعايش المنضبط بضوابط معينه كما تعايش الرسول عليه السلام مع اليهود في المدينة وكما تحالف معهم وغيرها وكذلك الدعوى إلى التسامح والعفو عند المقدرة. وقدوتنا في ذلك ما قدَّمه الرسول صلى الله عليه وسلم من مثالٍ رائع في التسامح والعفو عند المقدرة ومن صور ذلك: • أنَّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم استقبل وفد نصارى الحبشة، وأكرمهم بنفسه وقال: «إنَّهم كانوا لأصحابنا مُكرِمين، فأُحبُّ أنْ أكرمهم بنفسي» (رواه البخاري). وهذا مثال يُقدِّمه الرسول صلى الله عليه وسلم لنا ويُعلِّمنا إكرام الكريم، ورَدِّ الجميل للآخرين. • استقبل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وفد نصارى نجران، وسمح لهم بإقامة الصلاة في مسجده حيث بيّن لهم عملياً سماحة الإسلام وحسن تعامله مع الآخر وقبوله به بضوابط يلتزم بها الطرفين. • استقبل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم هديةً من المقوقس في مصر، وهي الجارية التي أنجبت إبراهيمَ ولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ثمَّ وقف فقال: «استوصوا بالقبط خيراً، فإنَّ لي فيهم نسباً وصهرا» (رواه مسلم)، تصور هذا المثل الذي ضربه لنا رسولنا الكريم في قبوله وتعامله مع الآخر وكيف رد الجميل للمقوقس الذي أحسن في تعامله مع الرسول صلى الله عليه وسلم. • ومن ذلك عفوه ومسامحته لأهل الطائف رغم ما عاناه منهم صلى الله عليه وسلم فقد رجموه حتى أدموه، فقال صلى الله عليه وسلم لملك الجبال: «بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً» (متفقٌ عليه). • ومن ذلك عفوه وتسامحه مع أهل مكة رغم أنهم طردوه وصادر حقه وممتلكاته في مكة وآذوه في نفسه وأهله وأسرته وأصحابه لكنه مثّل لنا شعار عظيم وهو العفو عند المقدرة فقال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" (ضعّفه الألباني في فقه السيرة)، وغيرها من المواقف والأمثال في تعامله مع الناس والأعداء والمخالفين له. • فما أحوجنا اليوم إلى نشر هذه الثقافة بين الناس ثقافة التسامح والعفو والتعايش وحمل الآخر على السلامة وإرشاده إلى الخير والتجاوز عن أخطائه وزلاته وإصلاح ذات البين والإنصاف في ذلك وتقديم مصلحة شعبنا على المصلحة الشخصية والحزبية وغيرها. • ما أحوج الأبناء إلى التعايش مع آبائهم وِفق ما شرع الله وطاعتهم وخدمتهم والسهر على راحتهم رداً للجميل. • ما أحوج الآباء إلى التسامح والعفو عن أبنائهم وإرشادهم بالتي هي أحسن والدعاء لهم بالبر والصلاح والعدل بينهم في التعامل وعدم الدعاء عليهم فدعوة الوالدين مستجابة كما ورد في الحديث: «ثلاثة لا ترد دعوتهم» ومنهم: «دعوة الوالدين...» (رواه الترمذي وغيره وحسّنه الألباني). • ما أحوج الجيران إلى العفو والتسامح فيما بينهم ونبذ الخلافات والأحقاد والعمل على العيش الكريم للجميع والتعاون وعدم الأذية للجيران، فقد ورد في الحديث التشديد على من يؤذي جيرانه: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن». قالوا: من يا رسول الله؟ قال: «من لا يأمن جاره بوائقه» (رواه مسلم). وكذلك تلمُّس أحوالهم والتعاون معهم فقد ورد في الحديث: «ليس مِنَّا من بات شبعان وجاره جائع» (رواه الطبراني)، وقدوتنا في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وكيف كان يعامل جيرانه وهم من اليهود رغم أذيتهم له إلا أنه بادل الإساءة بالإحسان. • ما أحوج خطباء المساجد والعلماء اليوم إلى تعليم الناس الخير وبذله والتضحية من أجله والمصداقية في ذلك بعيداً عن الحزبية والطائفية والمذهبية الضيقة والسعي إلى جمع الكلمة والعيش والتعايش بين الناس ونشر ثقافة التسامح بين الناس والبدء بأنفسهم وتطبيق هذه الثقافة واقعاً في حياة الناس والعمل على جمع الكلمة ولمَّ الصف وإبراز ذلك في الخطاب الديني المعتدل والوسطي والمتمسك بالقيم. فما أحوجنا اليوم لهذه الثقافة ونشرها بين الناس في مجتمعنا ليسود الأمن والحب والحياة السعيدة وتبرز القيم والأخلاق الفاضلة التي نبحث عنها في مجتمعنا اليوم فلا نكاد نجدها بسبب ثقافة الكره والحقد والتناحر والصراع والحسد وكذلك الأنا وحب الذات.