من اطلع على المؤلفات التي كتبت عن قصة احتلال عدن سيبرز له (الكوماندر هينز) كقائد داهية يمتلك كل صفات القائد العسكري والسياسي المحنك القادر على التعامل مع جميع الظروف والمستجدات، فهو يحسن المناورة والمداورة، وشديد المراوغة والمرونة في نفس الوقت، مع شدة البطش والقدرة على اختراق العدو وتفكيك قواه وإغراقه في إشكالات جانبية مربكة، كما وكانت لديه القدرة على التواصل مع السلاطين ومد يد السلم لهم في الوقت الذي يكون فيه جاهزا لأي مفاجأة، حتى ليخال لك ان الرجل عاش في هذه البلاد وأصبح على دراية بطريقة تفكير أهلها ومعرفة نقاط ضعفهم وقوتهم. بمثل هذا الداهية احتلت بريطانيا الكثير من دول العالم الثالث حتى جعلوا منها إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس. منذ العام 1839م اللحظة التي احتل فيها هينز عدن إلى مغادرته عدن عام 1853م وهينز لا يكاد ينام. ولكن بريطانيا تنسى جميع خدمات قادتها مهما كان دورهم في تدعيم تمددها في بلدان العالم ذلك حين يصدر منهم أدنى خطأ خاصة إذا كان ذلك الخطأ متعلقا بفساد إداري أو مالي. فبعد 14 سنة قضاها هينز ساهرا على سفوح جبال عدن يحميها من هجمات المقاتلين وخاصة أهل فضل والعبادل، وفي العام 1853م اكتشفت حكومة بومباي عجزا في خزينة عدن قدره (278971 روبية) فاستدعي هينز إلى بومبي وعزل من منصبه وقدم للمحاكمة ووجهت إليه 22 تهمة فساد وحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات، قضاها مهانا يلبس ثياب المجرمين، ثم خرج من السجن منهكا نفسيا وجسديا فمات عام 1860م . وهكذا انتهت حياة داهية من دواهي الحرب والسياسة البريطانية، ولم تشفع له جميع مواقفه وسوابقه وتضحياته وما بذله مخلصا لبلاده، فكان القانون أقوى منه ومن جميع إنجازاته.