عدن منذ ان أنشاءها الأولون , مدينة محصنة من الكوارث الطبيعية والاعاصير والامطار الغزيرة , كارثتها اليوم بشرية اكثر مما هي طبيعية , حصنها الاولين بجسور وممرات مائية , ومصارف مياه امنة , وخزانات تجميع وحفظ المياه وتصريف الفائض بحيث تأمن عدن من الفيضانات , لتستفيد منها دون ان تتضرر. فالتاريخ يتحدث عن عدن كرائدة , بعقول ومهارة ابنائها , الذين شيدوا القلاع , ومصارف المياه والامطار , شيدوا الصهاريج لتخزين المياه , وتصريف الفائض , شواهد على عظمة الانسان العدني , المهتم بمدينته , لتكن مسكنه الامن والمفيد , امن ومفيد للجميع , بثقافة عدن الاصيلة , التي ترعى المصالح العامة وتترفع عن المصالح الصغيرة والاطماع التافه للنفوس الامارة بالسوء والانانية . الكارثة التي حلت بعدن بشرية مائة بالمائة , ليست طبيعية , ناتجه عن بشر طمعوا بعدن , وتمكنوا من السيطرة عليها , وتربعوا سدة الحكم , وعبثوا بتخطيها المدني والعمراني , أنشأوا مساحات عشوائية , وبسطوا على متنفساتها , وبنوا فوق مصارف المياه , واعاقوا تصريف تلك المياه بشكل امن وسريع , مخططات تم تجهيزها لغرض الاستيلاء على الاراضي من قبل الفئة الحاكمة ونفوذها على مر مراحل العبث بعدن , لم تكن مخططات لغرض الاستغلال المفيد والعادل للأراضي , تستند على اسس علمية ومدنية , بل كانت عشوائيات بتصريح قانوني فاسد . حتى وعدن تغرق بسبب ذلك العبث , لا تجد أي مساعدة من العابثين من سلطة الامر الواقع , ولا المعنيين ممن قبلوا وتماهوا مع تلك السلطة , ولا شرعية منفيه , ولا تحالف دول تمتلك المال والامكانيات , لإنقاذ عدن , فجميع هولا لا يهتمون بشئون عدن كاهتمامهم بأطماعهم ومصالحهم بعدن . لعدن رجالها الصادقون والأوفياء دائما في الكوارث والاجتياح , شباب محبون لعدن , من ابنائها البواسل والاوفياء لها , العاشقون لعدن والمتعايشين بسلام مع طيفها وايقونتها , والتركيبة السكانية المتنوعة . هنا الفرق , بين محب وعاشق , وبين طامع ومستهتر , بين من يضحي ويتقدم معركة انقاذ عدن , وبين مستثمر ومبتز لتلك المعركة , يتربص لينقض على عدن , يتصيد الفرص , قد يجد في اضرار ونكبات عدن ما يصطاده , المساكن التي انهارت وتركت اراضي يسيل لها لعابهم الطامع , فلا نستبعد الاحتيال للبسط والسطو عليها فتلك افة قد امتهنوها , وصارت ثقافة وسلوك , واللص يتربص بالضحية , كما قال الاولين (يموت الزمار وأصابعه تلعب ) وذيل الكلب لا يعتدل , وكثيرا هي حكم الاولين , والتجربة درس عملي تكشف التركيبة الفسيولوجيا للإنسان المعبر عن ثقافة الجماعة , مع وجود فروق فردية . ولنا في ذلك تجارب مريرة , من ايام عفاش ورجالها الفاسدون , ومخلفاته من المرضى الاكثر فسادا , مرارة ذقناها و ولازلنا نذوق مرارتها اليوم نحن ابناء عدن العالقون في الخارج بسبب الحضر والحجر الصحي لوباء كورونا كوفيد 19 , نعاني الاهمال واللامبالاة لوضعنا وحالنا الاسي , وما نلقاه من مهانة وحاجة , بينما كل المحافظات والمناطق يصلهم الدعم من محافظيهم ورجال اعمالهم , وفق البطاقة الشخصية ومنطق الميلاد والإصدار , وابناء عدن الله يتولاهم برحمته , هذه حقيقة مرة وجدناها في الهند كمرضى وجرحى عالقين . معاناة عدن كثيرة , لا يحتملها ملف ولا مقال , بل مؤلفات , وكوارثها سببها عقلية بشرية , لم تستوعب خصوصية عدن وأهميتها التاريخية والإستراتيجية , كمركز تجاري وميناء حر , يتطلب هذا التنوع السكاني , والتخطيط الحضري والانفتاح الاقتصادي التجاري والثقافي على الجميع , والضبط القانوني والقيمي للواقع , وان الاستحواذ والاستئثار بلوه من بلاوي العقلية في الماضي والحاضر , يخلق بيئة صالحة للفساد والإفساد , وتنمو تلك القوى وتتكاثر وتتغير مع الزمن و وفق المرحلة وترفع نفس الشعار او الموت لكل من يعترض طريقها .