ليلة البارحة دُعِينا لحضور وجبة عشاء في منزل أحد الأصدقاء بمناسبة خاصه له ... كنا مجموعة كبيرة من شتى بِقاع اليمن الحبيب لا نعرف بعضنا البعض إلا ما ندر ، تحلق الجميع حول موآئد الطعام بصنوفه المختلفة ، وحينما حضرت وجبة ( السلتة) الحارة وهي أكلة شعبية مشهورة لدى اليمنيين وطبق لاتكتمل السفرة إلا به ، وخاصة في المحافظات الشمالية من وطننا الحبيب .. فلتت مني عِبارة لم تكن مقصودة بحد ذاتها أو موجهه لغرض معين بقدر ماهي تعبير مني لسخونة الإناء المصنوع من حجر الصوان الذي تُعد به هذه الوجبة اليمنية المشهورة ... فقلتُ الأيادي المرتعشة لا يمكن أن تصنع السلتة ، كان في المقابل مني رجلاً يتصبب عرقاً لنهماكه في الطعام .. وفجأة توقف الرجل ونظر إليا بنظرة حادة ، وكآل المزيد من الشتائم لعلي عبد الله صالح رئيس الجمهورية اليمنية الأسبق .. تفاجأ الجميع من الموقف المفاجئ ، ماعدا أنا بقيتُ هادئاً ومتمالك لأعصابي وكأني لم أسمع منه شيئاً ، وذلك لخبرتي الطويلة بمثل هولائي المتشددين والمتعنتين أيضاً .. أراد صاحب المنزل تلطيف الجو بمزحة جميلة لعلها تستطيع الكبح من حنق الرجل و التقليل من حِدة الموقف فقال لعلى (عفاش) لم يطبخ لنا السلتة بشكل المطلوب حتى يستحق منك كل هذا الكلام البذي .. .. ضحك الجميع ومازال الرجل يزبِد ويرعُد ، ضاناً مني أنني أردت التهكم وتحريف عبارة رئيس كتلة حزب الإصلاح حينما قال الأيادي المرتعشة لا تصنع وطن .... غاضبني الرجل دون قصدٍ مني ، فقوظ الله لي رجلاً آخر كان يقعد عند منتهى طرف السفرة وهو من محافظة حضرموت تقريباً فقال بلهجة حضرمية جميلة ... الآن أعيدوا لنا أيام عفاش فقط وليذهب عفاش إلى الجحيم ، تريدوا من الناس أن تنسى عفاش ولم تستطيعوا إدارة دولة من بعده ، ولم تحافظوا على مقدرات بلد أو تحافظوا على وحدته المباركة ، سلمها لكم الرجل ورحل ............. أفسد الرجل علينا طعامنا و ليلتنا الجميلة أيضاً ، كما أفسد الكثير من سياسي اليمن جمال هذا الوطن وعكروا عليه أمنه وستقراره ... أتساأل في قرارة نفسي هل سيتعافى الوطن مع وجود مثل هولاء ، لا يستطيعون نسيان الماضي وطيء صفحته والنظر إلى المستقبل بقلوب صافية لا تعرف الحقد والكراهية ... الوطن لن يتعافى ولن تقوم له قائمة مادام تفكيرنا مازال متعلق بالماضي .. .. إنظروا كيف صنع فلم الغداء الأخير ؟ كيف أستطاع مخرج هذا الفلم اللعب بمشاعر اليمنيين مع إن الغرض منه معروف والمغزى منه واضح .. لكنه أستطاع تحريك مشاعر كثير من الناس في رحِاب هذا الوطن .. لماذا ؟! لأننا مازلنا متشبثين و مشدودين نحو الماضي و الماضي تأريخ فقط لن يصنع لنا شيئاً .. أوربا عاشت حروب عالمية وراح ضحيتها ملايين البشر ، مع ذلك تناسوا خلافاتهم وبنوا مستقبل بلدانهم من جديد وكأن شيئاً لم يكن ... في الأيام الاخيرة صرتُ أنأى بنفسي كثيراً الخوض في غمار السياسة ، ولم أعد بمقدورى حتى مشاركة الحديث فيها مع الأصدقاء ، لربما قد تخسر الكثير منهم فقط لمجرد التعبير عن رأيك السياسي أو الإفصاح حتى عن موقفك تجاه حدثٍ مآ ...... لذا أنا هنا أسأل كل عاقل لبيب هل بعتقادكم بأننا سنتجاوز الجراح وننسى الخلاف ونعمل على طيء صفحة الماضي ؟ فقط لأجل هذا الوطن الذي ينتظر مننا جميعاً أفراداً وأحزاب العمل بكل تفاني وإخلاص ؟ إذا تحررنا من كل خلافتنا الحالية التي تبدو في نظرنا الآن مستحيلة حتماً سيتعافى الوطن .. أعتقد البعض سيتهمني بالجنون لمجرد أنني أفكر هكذا لأنا كل شيء يبدو أمامنا مستحيلاً ، وبعتقادي هزيمة كل هذه المستحيلات هي التسامح ومد الأيادي البيضاء لبناء هذا الوطن الغالي .. ولن يحدث ذلك إلا في حالة واحدة فقط ، إذا تصالح اليمانيون مع أنفسهم دون النظر للماضي وطي صفحتة من أجل الوطن .. حينها سننجوا جميعاً ..