إن من أجمل ما وهبت لنا الحياة ذكرياتها ، ولابد أن لكل واحداً منا ذكرياته الخاصة التي يطلق التناهيد والعبرات الحارة عند استرجاعها بل يذرف الدمع ويعجز اللسان عن التعبير عنها ، ينتابنا شياءً ما باعماقنا عند تذكرها والمرور على اطلالها. قبل مدة من الزمن كانت البساطة تخيم علينا من كل مكان ، كانت الحياة بنسبة لنا هي الحلم الذي نراهُ يتحقق يوماً بعد يوم ، كانت حينها الاحلام وردية كما يُقال ، كنا نقوم على أصوت تسبيح العجزة وهمساتهم في صلاة الفجر ، حتى اذا ما قمنا هرعنا ملبين داعي الله وقلوبنا يحتويها ذاك الإطمئنان الروحي ، وكأن الكون باسره أنذاك يمنحنا السلام. كنا ونحن في طريق الذهاب إلى المدرسة يسمع الماشي منا ترانيم ونغمات شجارنا ونقاشنا العقيم الذي بدون معنى او سبب ، فإذا دخلنا الفصل بعد الطابور الصباحي نتسابق على المقاعد الاولئ في الفصل ونشعر بالذة عند الوصول إليها اولاً ، ونحن نستمع لشرح المعلم وكأن شياءً ما بداخلنا يخبرنا أن هذا الشخص كل ما يملكه العلم حتى إننا نستغرب كثيراً عند رؤيتهُ خارج المدرسة لإننا لا نراهُ الا بين الكتب والفصول لا يخرج منها. ونحن في طريق العودة من المدرسة متثاقلين الخطوات كل واحداً منا مرمياً على كتف الآخر ، عندها وكأنهُ لا احد في هذهِ الدنيا يحمل هذا التعب الذي نجده في اقدامنا ، ولكن مع هذا التعب والإرهاق نجد أن هناك لذة تشبة ذاك الجندي الذي رفع راية بلاده منتصراً بعد سقوط اخر جندي من العدو ، يرفعها وقد اجتمع بداخله كل ما تعنيه الكلمة من الارهاق ولذة المجد ، لذة المجد هي نفسها التي نحن نستشعرها ونحن في طريق العودة من المدرسة. اما بعد الوصول إلى المنزل ، لا نجد انفسنا الا منكبّين بالملابس الدراسية وما نحملهُ من الادوات الاخرى لايستطيع احداً منعنا من هذة الاجازة القصيرة عن الحياة ؛ حتى اذا ما سقطنا على وسائدنا وكانهُ هناك اطناناً من التعب على ظهورنا ، التعب الذي لا تراهُ الام والاب اليوم في عيون اطفالهم عند العودة من المدرسة ، لانهم أصبحوا منشغلينا كثيراً عنهم ، حتى إن اطفال اليوم لا يجدوا لذة التعب هذه لا في الذهاب ولا في العودة للأسف. اما في المنام لا تُراودنا الا تلك الضحكات التي مضى صباحنا بها ، حتى اذا ما استيقظنا استيقظ الكون في أعيننا ونهضت بنهوضنا الاحلام والرغبات ، وبعد أن تخلصنا من الملابس الدراسة وأكلنا ما نشد به على اجسامنا ، إنكبينا على الاقلام والكتب والدفاتر حتى اذا ما غابت الشمس واوشك القمر بظهور قمنا نبحث عن التلفاز لنشاهد القناة المضلة لدينا "سبايستون" نقلب فيها النظر وفي ما تعرضه من الكرتونية الهادفة التي كنا نستلذ في مشاهدتها وكأننا نشاركهم الركض والضحك والمغامرات وغيرها. سلام الله على اجيال الكابتن ماجد والكابتن رابح سلام الله على اجيال ميجالو وسوسان ، اجيال سالي وعهد الاصدقاء والمحقق كونان ، اجيال الرجل المقنع وعدنان ولينا واجيال فارس الشجاع وسندباد ، والى غيرها من الكراتين التي لا نفراقها ابدا. اما بعد السادسة مساءً وقد اكملنا كافة طقوس التلفاز نخلد الى وسائدنا وكلنا شوق الى المدرسة والأصدقاء والمعلمين والدروس ونحن نعلم أننا سنلتقي بهم فعلاً بسلام وامان دون ان يخبرنا احد أن هناك حرب أو إعتصام واغلاق المدارس أو من ما يحدث من ممنوعات في هذا الزمان. ختاماً كنت انا وانتم مع "دقائق من الماضي" وقد إنتهت اخر دقيقة كنا قد طفنا بها في ترانيم الماضي الجميل الذي لن يشعر به إلا من عاش هذه اللحضات بدقائقها وثوانيها ، لن يشعر بها إلا من اخذتهُ العبرة واطلق تلك التناهيد على اطلال الماضي.