يتفرد المناضل السبتمبري عثمان أبو ماهر بكونه حمل البندقية كثائرمدافعا عن الثورة والقلم كشاعر تغنى بالثورة وتاريخ اليمن وحضارته، هذا التفرد جعله حاضراً بقوة في أوساط أقيال اليمن الحاملين للقضية الوطنية، والمتمسكين بميثاق الجمهورية الخالدة. لعب الماضل أبوماهر دوراً ثوريا محورياً إبان تفجير الثورة ومطاردة فلول الإمامة، فكان أحد الأبطال الميامين الذي حفظت له سجلات الثورة أدواره البطولية في ميدان الكفاح المسلح كقائد، وميدان الأدب الثوري المقاوم كشاعر وطني ملهم، وهو القائل: سنحمل أيلول فوق الرؤوس ونعطيه أكبادنا والنفوس يمانون أرواحنا ظله بيوم الهجير وحر الشموس
بعد تفجير ثورة ال 26 من سبتمبر انطلق الثائر أبو ماهر إلى مدينة الحديدة، والتقى مجدداً بالرائد (محمد الرعيني) الذي أرسله فورًا إلى مدينة صنعاء، حيث وصل إليها، وشهد مراسيم تسليم الزعيم عبدالله السلال رئاسة مجلس قيادة الثورة، ثم كُلِّف بقيادة قطاع محور حجة العسكري لملاحقة الإمام المخلوع (محمد البدر) وفلول نظامه في جبال مديرية وشحة بمحافظة حجة إلى حرض وصولاً إلى منطقة الخَوْبَة في الحدود اليمني السعودية بمشارك اثنين من الضباط هما: (عبدالكريم الحوري) و(عبدالوهاب الحسيني).
وبعد معارك عديدة خاضها البطل السبتمبري أبو ماهر أثناء مطاردة البدر وتتبع فلول الملكيين لثلاث سنوات، التحق عام 1965م بجهاز المخابرات العامة، الذي كان يرأسه العميد (محمد عبدالواسع قاسم نعمان)، وفي نفس العام عين مديرًا لمكتب المخابرات العامة في مدينة (الراهدة) بمحافظة تعز التي كانت تفصل الشطر الشمالي عن جنوبه، ضاحية مدينة تعز، وتحمل مسئولية إمدادات الجبهة القومية لتحرير الجنوب بالمال والسلاح، حيث كانت الجبهة القومية تخوض معارك التحرير ضد المستمعر البريطاني.
وفي العام 1966م، سافر إلى موسكو للإلتحاق بأكاديمية المدرعات حيث أكمل دراسته فيها حتى العام 1969م، وعقب عودته إلى مدينة صنعاء؛ طلب منه أن يكون نائبًا لرئيس الجهاز المركزي للأمن الوطني فرفض ذلك نتيجة التغيرات التي طرأت على اهداف ثورة سبتمبر حيث لم يعد الثائر أبو ماهر يجد ذاته فيها، فاعتقل في سجن (القلعة) لثلاث سنوات بتهمة الشيوعية التي كانت رائجة وقتذاك.
وفي عام 1972م؛ خرج من سجنه، وأحيل إلى السلك المدني، وعُيّن في نفس هذا العام مديرًا عامًّا لمكتب وزير الخدمة المدنية، ثم أعيد تعيينه في نفس العام مديرًا عامًّا لمكتب وزير الثقافة حتى سنة 1975م, وفي عهد الرئيس (إبراهيم الحمدي) عُيّن مديرًا عامًّا للمصنفات الفنية في وزارة الثقافة، ورئيسًا للجنة النصوص, وفي عام 1980 عُيّن مديرًا عامًّا للإعلام الداخلي والخارجي، ثم عُيّن سنة 1988م ملحقًا إعلاميًّا بدرجة وكيل وزارة في السفارة اليمنية في الرياض، وفي سنة 1992م عُيّن مستشارًا لوزارة الإعلام، وأعيد تعيينه في نفس المنصب سنة 2003م بدرجة وزير.
لم يحمل الثائر عثمان أبو ماهر بندقيته فقط ضد الحكم الكهنوتي، بل كان لقلمه صولات وجولات في التغني بالوطن والذود عن حياض الأمة اليمنية، لقد نظَم أبو ماهر اليمن تاريخاً وحضارة شعراً خالداً، وموْسَقها لحناً تتغنى به الأجيال، فغنى له العديد من المطربين اليمنيين؛ منهم: (أيوب طارش عبسي)، (أحمد بن أحمد قاسم)، (عبده إبراهيم الصبري)، (محمد حمود الحارثي) و(عمر غلاب) وهو الذي كتب كلمات نشيد (القسَم) الذي تغنى به الفنان الكبير أحمد المعطري:
يمينًا بمجدك يا موطني ... ويا مهد كل فتىً مؤمن سأمضي على الدرب لا أنحني ...ولن أتوانى ولن أنثني أنا الثائر الحرُّ رمز النضالْ .. وجندي بلادي ليوم القتالْ شربت المنايا كشرب الزلالْ ... وتوجت بالنصر هام التلالْ وحدثني الصخر عند الصمود .. لك الله فاصمد صمود الجبالْ سنون مضت كان ظني بها .. مماتًا فكانت حياة الكرامْ وجاء السلام. سلام الختامْ ... تمخض عن حربنا والحمامْ وها أنا أبني ليحيا أخي ... ويحيا البنون بظل السلامْ مضينا على درب أيلولنا ....يقود خطانا الإخا والوئامْ فرشنا الدروب بأرواحنا .... وسرنا على هديها للأمامْ
ومن القصائد الوطنية التي تصنع ألف مقاتل وألف ألف سبتمبري قصيدة (أنت يا أيلول فجري) التي تغني بها حنجرة الوطن أيوب طارش عبسي:
يا نسيمًا عابقًا كالزهَر طيب الأنفاس عند السحر يا جلال الحق صوت القدر يا وثوب الشعب في سبتمبر اسقني عدلاً وغذِّي عُمُري في سلام الثائر المنتصرِ مولدي أنتَ ونور البصرِ ووميضٌ في دمي المُستعرٍ ذكرياتي عِبرًا سطرتها فوق هامات جبال العِبرِ أنت يا أيلول فجري بدمي سجَّلت تاريخي وفخري فاخصبي يا أمُّ يا خضراء ها أنا فجَّرت نهري لا تسلني لا تقل ماذا جرى فطموح الشعب حكم القدر جدد العزم وسر في دربنا يا شباباً من سنا سبتمبر .......................... يا سطورًا من دماء الشهداء يا ضياءً في طريق الأوفياءِ يا نشيدًا في قلوب الشرفاء يا تراب الأرض يا كلَّ سنائي ........................ لك روحي كله يا يمني لك جهدي في سباق الزمنِ أنا شدو في لسان المؤمنِ أنا نبض في ضمير الوطنِ
وقد عُرف الثائر عثمان أبوماهر بنزعته الثورية وحنينه لتاريخ اليمن التليد وحضارته الضاربة في أطناب التاريخ سبأ وحمير وارتباطه بهما وكان دائم التغني بهما والسارد لأمجادهما حيث شكّل منه ذلك الانتماء الروحي والوجداني مقاتلا قويا ومدافعا شرسا عن ثورته وجمهوريته، إذ يقول في إحدى قصائده:
يامعبد الشمس كم لك محتجب واحبيب قلي متى بعد ماقاسيت شوق الغريب! تعود شمس الحضارة منك بعد المغيب والسمر يحيين من حولك رنين الحجول بشراك يامأرب الأمجاد عدنا وعاد يهدي لك الخير نجل الأقوياء الشداد يبني ويزرع غروس البن في كل واد لا بد ماتلتقي فيه الفروع بالأصول شواصل السير ياتاريخ سجل مسير واكتب على صفحة الأيام حرف المصير واشهد مع الكون فردوس الاماني الخضير هذي بلادي وانا فلاحها والبتول
وفي قصيدته (قُبله) يلخص الثائر السبتمبري أبو ماهر شخصيته المحبة لوطنه وأمته اليمينة : قبلت جبهتك العريضة ألف مرة وشممت فيها الحب .. حبك ما أمرّه وبكيت بين يديك أرقت دمي... لحبك ألف كرة وعصرت كل حصاك بين ضلوعي العطشى ... يا صنعاء خمرة بالأمس كانت ريحة البارود أنفاسي وكانت لغتي رصاصات البنادق ...لتعيشي ألف مرة من أجل أن نحيا في ظلال الحب والأخلاق في المزارع والمصانع والعرق الذي تزدان فيه الجبهة الشماء أقبلها وأرضع ثديها ظلاً وخضرة من أجل ان أحيا صباح العدل فوق الدرب سائر والطل يهدي للربى في وقعه نغمات شاعر من أجل أن تتربع الأعماق ربات الظفائر من أجل أن يحيا طموحي يماني اللحن ثائر يا سكرة الحب الذي لا ينتهي أهواه من قلبي وأطمع ألف سكرة
لقد دوّن أبو ماهر قصّة ثائرٍ لا يشق له غبار، وشاعرٍ ذاب لحنا في ثورته السبتمبرية ووطنه المفدى، قصة نضال من شرب المنايا كشرب الزلال وتوّج هام جبال اليمن الجمهوري بالنصر المؤزر على نظام كهنوتي استعبادي جثم على صدر اليمنيين قرون من الزمن. دوّن ثائرنا أبو ماهر تاريخه كبطل سبتمبري وشاعر جمهوري تغنى باليمن أرضا وإنساناً، بطلا حمْيريا سبئيا استقى شموخه من قصر غمدان وشجاعته من شمر يهرعش وعراقته من معبد الشمس . انتقل المناضل أبو ماهر إلى رحاب الله في 20 يناير 2013 بعد حياة ثورية أدبية حافلة