نستطيع القول أن الذي يدفع المواطن إلى تحمل مرور السنوات الطوال في ظل الواقع المزري هي تلك النافذة الكائنة أمام ناظره، هي تلك نفسها التي تجلب له كل صباح مع ضوء الفجر الساطع جرعات خفيفة من الأمل تُمنيه بالتغيير والتحول إلى الأحسن، وتُعينه على تحمل سنين القهر الجوع والبؤس والتخلف، وكُله ثقة ويقين أن الأمل "هو الذي يدفع الغريق للتعلق بالقشة برغم علمه أنها لن تُفلح في انتشاله من غرقه المحتوم". ف الأمل هو ذاته الذي يدفع الملايين من البؤساء بمختلف أنواعهم على امتداد خرائط الأوطان الممزقة والمكلومة على احتمال واقعهم المزري، ويشجعهم على التمسك بخيوط الحياة الواهنة، هو نفسه الصوت الداخلي المُطمئن الذي يقول لنا دائماً أن الأمور ستصبح بخير. ربما هو أيضاً الجانب الساذج من إنسانيتنا التي لا ترى الأمور على حقيقتها مهما كانت واضحة، الجزء الذي لا يؤمن بالتوقف والاستسلام، الجزء الذي يُصر دائماً على أنه لا تزال هنالك كوة في الجدار، نافذةً تنتظر منا أن نفتحها وباباً لم نطرقه بعد. لكن أن تصل مرحلة أغلِقت فيها منافذ الأمل، وأُطفئ فيها قنديله، وخفت فيها بريقه، ولم يعد هناك للأمل بصيص، كل ذلك أتاح بتواجد نوع مختلف من أنواع الأزمات الموجودة فعلاً؛فالمواطن فقد تلك المناعة التي كان يستمد منها عافيته وثقته في خروج الوطن من مأزقه ومحنته التي مُني بها، المناعة التي كانت تقيه مصارع البؤس والشقاء وتعمل على سد ثغور اليأس والقنوط، وعمل توازن في مختلف ظروف الحياة اليومية.. كيف ذلك؟ إن استمرارية تجاهل نداءات المحتجين منتسبي القوات المسلحة والتجاوب مع مطالبهم المشروعة وإعادة النظر فيها من قبل الجهات المعنية في الدولة ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس حكومته، الأمر الذي دعا الهيئة العسكرية إلى التصعيد والبدء بخطوات الضغط المناسبة التي من شأنها أن تجبر الجهات المعنية إلى سرعة التجاوب لمطالبهم، طبعاً أتت هذه الخطوة بعد فترة من إعلانهم الإعتصام المفتوح أمام بوابة مقر التحالف العربي ومن وقفات الاحتجاج وجهوا نداءاتهم المتكررة للتحالف والحكومة، إلا أن ذلك لم يحرك ساكنا فيهم، وكأن الأمر يراد له أن يكبر ويخرج عن حده، وكأن الحكومة تمارس سياسية "عمل ألا شيء" والتي حتماً ستكون لها نتائجها مع المواطن للضغط عليه أو تمرير بعض المشاريع سواء من قبل زعارير الحكومة أو من قبل التحالف نفسه! وفعلا حدث ذلك، وأُعلن التصعيد وأغلقت بوابة المنطقة الحرة، طبعاً الذين أغلقوها لديهم مطالب مشروعة، لكن غيرهم هو المستفيد، والمتضرر الوحيد هو المواطن لا غيرة، ففي الوقت الذي تستخدم فيه الحكومة والتحالف سياسات الدفع بالمتظاهرين للتصعيد وخلق أزمة جديدة من خلالها تبطل مشروعية حقوقهم وتصفها بالباطلة، وتصعيدهم بالعمل التخريبي الممنهج، وبنفس الوقت تحرض المواطن عليهم وتضعهم أمام الرأي العام بالجماعة المخربة! يحصل ذلك في الوقت الذي كاد الأمل أن يتمكن من قلوب المواطنين، رغم ضيق العيش وانقطاع المرتبات وتدهور العملة المحلية واستمرارية الحرب العبثية ومظاهر انتشار السلاح، وتفشي الأمراض المعدية، وانقطاع الكهرباء المتكرر ، وذلك من خلال التحرك الملموس والجاد نحو التغير الذي أبداه محافظ العاصمة عدن في الفترة الأخيرة، كذلك البوادر الإيجابية التي يبدوها أطراف اتفاق الرياض والنظر بعين المسؤولية تجاه الوطن والمواطن وتغليب المصلحة، بحسب ما ظن المواطن.. وبتحول مفاجئ وسريع يتضح مدى هشاشة الواقع وضخامة الكارثة المغيبة في أدراج الحكومة الغائبة أصلاً، والتي سرعان ما ألقت ببساطها على المواطن فسدت منافذ الأمل أمامه و وضعته في موضع اليائس، القابع تحت سقف المستحيل، فعلى إثر سياسة الدفع التي تمارسها الحكومة مع أصحاب المطالب المشروعة، ارتفع سعر المشتقات النفطية إلى أسعار مهولة وفي وقت قصير جداً وقلت حركة المواطنين. يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه المواطن أشد أنواع الفقر والؤس، جراء ارتفاع الأسعار وتدهور العملة المحلية وتوقف الحكومة نفسها عن صرف المرتبات، ووضع معالجات جذرية للحد من تدهور العملة، والعرقلة الغير معلنة لاتفاق الرياض، كل ذلك كان كفيل لخلق أزمة جديدة وأشد خطورة من سابقاتها هي أزمة انعدام الأمل واستحالة التغيير بأدوات ألفت الفساد وولفته، والله المستعان!