بعد عملية جراحية متعسرة وشاقة ولدت مرحلة بايدن وخرج المولود المشوه إلى النور شاقاً طريقه المحفوف بالمخاطر نحو البيت الأبيض . أما ترامب فقد حزم أمتعته وغادر البيت الأبيض هو وعائلته إلى ولاية فلوريدا رافضاً أن يسلم الحقائب النووية كتقليد متعارف عليه بين الرؤساء والذي يبدو أنه أقصى ما يمكنه فعله كتعبير عن تسخطه ورفضه لنتائج الانتخابات لأنه لا يملك حرساً جمهورياً ولاجيشاً خاصاً ولا أمن مركزي يدينون له بالولاء المباشر هذا ما حصل وذاك ما تم بعد أن علت غيمة من الخوف والهلع والفزع سما عاصمة الإمبراطورية الأمريكية . ليس هذا ما أردت قوله لأنه معلوم لدى الجميع . لكن غيرالمعلوم هو معرفة ما وراء الخبر وقراءة ما بين السطور. ذلك أن ما حدث من صراع حقيقي بين المرشحين _ وجعل العالم يحبس أنفاسه حذراً وتوجساً مما تخفيه الأيام _ يعكس الصورة الحقيقة للنظام الأمريكي الذي يتحكم في مصائر شعوب العالم لعقود طويلة . فلقد جسد المهرج ترامب هذه الحقيقية في أنصع صورها وأدق تفاصيلها وأكمل معانيها . وليس أدل على ذلك من تصرفاته الرعناء وسلوكياته المثيرة للسخرية منذ وصوله للسلطة والتي كان آخرها رفضه لنتائج الانتخابات وتحريضه للفوضى والتخريب والعنف والتي تكللت باقتحام مبنى المجلس التشريعي في صورة لا تبعد كثيرا عن ما يحدث في الدول المتخلفة جدا. فالعالم لم يعرف عن الإدارة الأمريكية في العصر الحديث إلا مثل هذه التصرفات الوقحة والسلوكيات البشعة والتعاملات المخلة بأبسط حقوق الإنسان . فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم فجرت أمريكا أكثر من 75 حدثاً ما بين تدخل عسكري مباشراً أو دعماً لأنقلاب على نظام ديمقراطي أو تشجيعاً لأعمال تخريب أو دعماً لجماعات عنف وأرهاب أو تدخلاً سافراً في سياسة دول وفرض أنظمة ديكتاتورية وكل ذلك يتم تحت يافطات مزيفة لا علاقة لها بالدفاع عن النفس وإنما بغرض فرض الهيمنة الدولية على حساب شعوب العالم فمن فيتنام إلى نيكاراغوا إلى السلفادور إلى التشيلي إلى بناما إلى دعم الكيان الصهيوني إلى أفغانستان إلى العراق إلى رفع شعار ( الفوضى الخلاقة ) في العالم مرورا بنهب ثروات الشعوب وتعطيل العمليات الديمقراطية التي تخالف هواها ووو.. كل تلك البلطجة يديرها هذا النظام المجرم والتي رأينا نتفاً من بشاعتها وشناعتها وفضاعتها على شاشات التلفزة في العراقوأفغانستان وباكستان واليمن وقبلها في اليابان ... تلك هي حقيقة الاستعمار الأمريكي المتحكم بدفة الأمور في العالم . لذلك ليس بمستغرب أن يمارس المهرج ترامب مع شعبه تلك التصرفات الصادمة للكثيرين لأنها تعكس ثقافة هذا النظام. فكل ما عمله هو إزاحة الستار عن الوجه الكالح لهذا النظام وأبان الصورة الحقيقية له وأشاح اللثام عن القبح الذي يخفيه ومزق كل تلك اليافطات التي كان يتخندق خلفها . فهكذا وبقدرة قادر فضح المهرج ترامب حقيقة أسوأ استعمار في العصر الحديث وأزاح الستار عن المشهد الأخير من عمره وساهم مساهمة مباشرة في توجيه الضربة القاضية له . وأما بايدن العجوز الذي تكسو وجهه تجاعيد السنين فيحاول جاهدا تجميل قبح هذا النظام المتهالك كتلك المرأة الحاذقة في مهنة الكوافير التي تعمل جاهدة لتجميل قبح زبائنها . ولكن كل تلك المحاولات أيها العجوز لا جدوى منها فنظامك قد اعتلاه عمر الشيخوخة الغير قابل للتجديد . وهذا ما يؤكده الوضع الداخلي للنظام الأمريكي فضلا عما يؤكده علماؤه ومفكروه ويكفي هنا أن نشير فقط إلى أن المجتمع الأمريكي يعيش أزمة داخلية طاحنة حيث أرتفع الدين الداخلي العائلي من 680 مليار دولارا عام 74 م إلى ترليون دولارا عام 2009م . وأما عن الانحلال الاخلاقي والتفكك الأسري فحدث ولا حرج ناهيك عن الأزمة العنصرية الحادة التي تعصف بالمجتمع فضلاً عن الضائقة الاقتصادية التي يتعرض لها الاقتصاد الأمريكي . وأما عن الخارج فلم يعد لوجه النظام المجرم قطرة من ماء ولا مسحة من حياء فالمتربصون به لا حصر ولا عد لهم . فها هو وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر عام 91م اي قبل حوالي ثلاثين سنة يتنبأ بسقوط نظام بلاده ويتحدث عن عالم مابعد أمريكا فيقول "إن العالم يتجه من الغضب إلى اللامبالاة ومن العداء لأمريكا إلى ما بعد أمريكا " وفي كتابه المعنون (بعالم ما بعد أمريكا ) أكد فريد زكريا اندثار النظام الأمريكي وتحدث عن عالم ما بعد أمريكا . وهذا ما حدا بالرئيس أوباما أن يقتنيه ويحمله بين يديه من إحدى المكتبات أمام كاميرات الإعلام وهو دليل على أن زعماء أمريكا نفسها يقرؤون المستقبل . وفي كتابه الرائع ( أحجار على رقعة الشطرنج ) أورد الكاتب ( وليم جاي كار ) أقوال علماء ومفكرين يؤكدون انحسار الاستعمار الأمريكي ونهايته . فليس عزيزا أن تجني أمريكا اليوم ما اقترفته يداها . يقول السيناتور الجمهوري ماكين والذي يلغب بثعلب السياسية الامريكية ويعتبر صغر من صغورها أمام الكونغرس. "كم شخص بات يكره أمريكا وذلك عندما شاهد صورا للتعذيب من قبل جنود أمريكان . وأما المفكر والفيلسوف الأمريكي نعوم تشو مسكي ذو الحادية والتسعين سنة فيقول : إن ترامب معتلاً إجتماعياً ومصاب بجنون العظمة , ويرى أن أمريكا تتجه نحو الكارثة . تلك شهادات من داخل النظام الأمريكي تحكي وصوله إلى مرحلة الكارثة.. ويؤكد تلك التوقعات ما حدث ويحدث عقب الانتخابات والتي يبدو أنها المسمار الأخير في نعش هذا النظام الإجرامي . وأما سنن الله في الكون فتؤكد أن الأيام دول بين الناس وأن سنن التغيير حتمية في المجتمعات. وصدق الله إذ يقول : (وتلك الأيام نداولها بين الناس ).