ذكرت مصادر سياسية يمنية أن المتغيرات الدبلوماسية الدولية بشأن القضية اليمنية ألقت بظلالها على المجريات الراهنة في الوضع الميداني، سواء العسكري أو السياسي أو الإنساني، وأبدى الانقلابيون الحوثيون انتشاء لهذه المتغيرات واعتبروها دعما لتوجهاتهم وضوءا أخضر لتحركاتهم في كل الاتجاهات بشكل هستيري دون الالتفات لأي محاذير أو الاعتبار لأي مخالفات لقوانين الحرب. وقالوا ل«القدس العربي» إن «اللغة الحوثية المستأسدة وتحركاتهم العسكرية الجنونية وكذا تعاملهم اللامسؤول مع كل الملفات السياسية والاقتصادية والإنسانية يوحي بأنهم يتحركون بثقة كاملة وتنسيق واضح مع الأطراف الخارجية، سواء الإقليمية أو الدولية، التي تسير كلها لصالح التوجهات الحوثية، سواء بقصد أو بدون». وأوضحوا أنه على الرغم من التأثير القوي لقرار الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة دونالد ترامب الذي صنف جماعة الحوثي منظمة إرهابية، إلا أن المنظمات الإنسانية الدولية ووكالات الأممالمتحدة تباكت على انعكاسات ذلك القرار الأمريكي على الوضع الإنساني في مناطق سيطرة الحوثيين وطالبت بإلغاء هذا التصنيف وهو ما تم لاحقا في الأيام الأولى للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدين، والذي عدّه الحوثيون انتصار معنويا لهم وانطلقوا نحو التصعيد العسكري والسياسي بدون هوادة وبدون كبح لجماحهم المتهور. وعسكريا حشدت جماعة الحوثي الانقلابية أعدادا مهولة من المقاتلين الذين تمكنت خلال الفترة الماضية من عسكرتهم بالقوة بدون تأهيل عسكري كاف، بعضهم ما زال في سن المراهقة وزجّت بهم في أتون الجبال الشاهقة والأحراش الصعبة التضاريس في جبهات المواجهات القتالية مع القوات الحكومية بمحافظة مأرب والتي تعد في نظر عسكريين الهجوم الأكبر على محافظة مأرب من قبل الحوثيين منذ اندلاع الحرب نهاية العام 2014.
تصعيد المواجهات وذكر مصدر عسكري حكومي ل«القدس العربي» أن «المواجهات بين القوات الحكومية وميليشيا جماعة الحوثي في جبهات محافظة مأرب شهدت مطلع الأسبوع الماضي تصعيدا كبيرا وهجومات متزامنة من أكثر من محور وغير مسبوق في المواجهات بين الجانبين منذ بداية الحرب بينهما، غير أن هذا التصعيد لم يحقق النجاح الذي كانت الميليشيا تطمح إليه، بل كان محرقة لمقاتليها الذين يسقطون بأعداد مهولة كل يوم بين قتيل وجريح». وأوضح أنه على الرغم من التخاذل الذي تواجهه القوات الحكومية من قبل قوات التحالف بقيادة السعودية، إلا أن الجميع في محافظة مأرب عسكريين ورجال قبائل مسلحين يرون ان معركة مأرب (مصيرية) و(فاصلة) وبالتالي لن تكون إلا «شوكة في حلوق الحوثيين، ومقبرة لمحاولاتهم المستميتة لاقتحامها والسيطرة عليها. وذكر أن التصعيد الحوثي نحو مدينة مأرب «أعطى نتائج عكسية للحوثيين، حيث رفع معنويات القوات الحكومية وأبناء رجال القبائل عموما، وحرك الجمود الذي أصاب جبهات مأرب بقوة، والتي اعتبروها معركة استعادة الكرامة للدولة ولليمن عموما من الهجمات الطائفية الحوثية، وأصبحت تحركات العسكريين وحماسهم واندفاعهم نحو جبهات القتال أكبر من الطاقة الاستيعابية لهم في الجبهات وهو ما يعطي مؤشرا مغايرا لما تروجه وسائل الإعلام الحوثية ضمن الحرب النفسية». وفي الوقت الذي تعيش فيه أسوار محافظة مأرب، حربا شرسة وهجوما حوثيا هو الأعنف من نوعه ضدها، يعيش أبناء وسكان مدينة مأرب، مركز المحافظة، أياما ثقافية تعد الأولى من نوعها فيها بإقامة المعرض الأول للكتاب في هذه المدينة التي كانت هامشية ورمزا للتخلف والبداوة وأصبحت بفعل الحرب الراهنة قبلة للاستقرار من كافة أرجاء اليمن والتي ارتفع عدد قاطنيها من 300 ألف إلى ثلاثة مليون نسمة تقريبا وأصبحت مركز اشعاع ثقافي وفني وأدبي خلال السنوات الست الماضية من الحرب اليمنية، حيث انتقلت العديد من الفعاليات والمؤسسات الثقافية والإعلامية والفنية من العاصمة صنعاء التي سيطر عليها الحوثيون إلى المدينة التاريخية والحضارية مأرب، مهد مملكة سبأ، حيث ما زال عرش الملكة بلقيس يشمخ رابضا حتى الآن في صحراء مأرب. وأعرب محافظ مأرب الشيخ القبلي سلطان العرادة عن سعادته البالغة بإقامة معرض الكتاب في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ اليمن في هذه المدينة التاريخية التي قال انها «تخوض حالياً معركتين: معركة عسكرية مع ميليشيا إرهابية عنصرية سلالية تريد إرجاع الشعب اليمني إلى قرون سابقة، ومعركة تنويرية بالعلم والمعرفة وهي المعركة الأساسية التي بها نستطيع أن نتجاوز كل العراقيل والمعوقات والمضي قدما للارتقاء بالإنسان والوطن». وفي المقابل لا يشير الاعلام الحوثي لمجريات الأحداث في محافظة مأرب، وحجم الخسائر البشرية التي طالتهم، غير أن فيديوهات تسربت عن سقوط أعداد كبيرة من المقاتلين الحوثيين بينهم قيادات عسكرية ميدانية رفيعة، فيما مسؤولو الجماعة يكتفون فقط برفع المعنويات وعمليات التحشيد لمعركة مأرب والدعوة للتبرع لها تحت لافتة دعم (المجهود الحربي) للحوثيين، وهو ما أصبح يشكل عبئا كبيرا حتى على تجار الحروب من الأثرياء الجدد الحوثيين الذين استغلوا فرصة الحرب اليمنية للحصول على امتيازات كبيرة من قيادة الجماعة والحصول على الثراء الفاحش من عائدات الدعم الإنساني الدولي لمناطق الحوثيين التي يستولي عليها الحوثيون بطرق مباشرة وغير مباشرة، عبر التخادم المزدوج بين مسؤولي المنظمات الدولية والقيادات الحوثية. ويرى مراقبون أنه مع التحركات الدبلوماسية الدولية حيال القضية اليمنية وبالذات مع التحرك الأمريكي الجديد وتعيين مبعوث أمريكي لأول مرة إلى اليمن، يستميت الحوثيون في احداث أي اختراق لجدار الصمود في محافظة مأرب ومحاولة تحقيق أي مكاسب عسكرية هناك لتحسين ورقتها التفاوضية في مباحثات السلام اليمنية التي تسعى العديد من الأطراف الدولية بقيادة الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة إلى التسريع في وتيرتها وانعقادها في القريب العاجل تحت مبرر وضغوط الأزمة الإنسانية في اليمن. ويعتقدون أن الحوثيين يسعون إلى السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي التي ما زالت تحت سيطرة الحكومة من أجل ابقاء السيطرة عليها من قبلهم بعد أي اتفاقات سلام متوقعة مع الحكومة، كما هو الحال الذي أعقب اتفاقية ستوكهولم الموقعة بين الحوثيين والحكومة نهاية العام 2018 بشأن المعارك التي دارت في محيط مدينة الحديدة، في حين يلعب الحوثيون مناورات سياسية عديدة بشأن التوجهات نحو جهود إحلال السلام في اليمن.
المطالب الحكومية وقال عضو المجلس السياسي الأعلى التابع لجماعة الحوثي محمد علي الحوثي ان «السلام لا تصنعه الدعوات وإنما الاتفاقات الموقعة، وأي دعوة لا نرى تطبيقها على الميدان فهي تعبير عن شعور فقط». وأوضح أنه «ممكن أن نبادل الشعور بشعور إذا تأكدنا من سلامة المقصد لمن يدعو للسلام فقط، ونبادل الخطوات العملية لإيقاف العدوان والحصار بخطوات عملية متزامنة إذا تم الاتفاق والتوقيع عليها». وفي الوقت الذي ظلت فيه الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي تسعى إلى استعادة سلطاتها في المناطق التي سيطرت عليها الميليشيا الانقلابية الحوثية وظلت لسنوات تطالب بانسحاب الحوثيين من العاصمة صنعاء ومن المؤسسات الحكومية فيها بالإضافة إلى انسحابهم من المحافظات الأخرى، أصبحت هذه المطالب الحكومية في الوقت الراهن واهية وغير واقعية وغير ممكنة التحقيق، في نظر الدبلوماسيين الغربيين، خاصة في ظل عجز التدخل العسكري السعودي الإماراتي عن إنقاذ الحكومة الشرعية في اليمن طوال الست السنوات الماضية. وتتجه التحركات الغربية الحالية صوب وقف الحرب اليمنية بأقل الخسائر على الحكومة اليمنية وعلى الحكومتين السعودية والإماراتية، بعد أن فشلت جميعها في استعادة زمام المبادرة العسكرية في الميدان، أو على الأقل أصيبت تحركاتها العسكرية الميدانية بالجمود منذ نهاية العام 2015 ولم تحقق السنوات اللاحقة أي مكاسب حقيقية لصالح الحكومة الشرعية التي رهنت مصيرها بدعم التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن أو أن هذا التحالف أجبر الحكومة اليمنية على عدم تخطي الخطوط المرسومة لها سلفا، في حين ظل الحوثيون يبنون مشروع تسليح عسكري نوعي ويطورون آلياتهم الحربية بخيرات إيرانية وشيعية من حزب الله اللبناني، حتى تجاوزت معركتهم الساحة اليمنية نحو الأراضي والمصالح الحيوية السعودية. وفي ظل هذا التقدم العسكري الحوثي وتزامنه مع المتغيرات الدبلوماسية الغربية في الوقت الراهن حيال الحرب في اليمن، وبروز العديد من المواقف الغربية التي تخدم الموقف الحوثي تحت مبررات الوضع الإنساني في اليمن، بدأ المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ تحركاته في المنطقة، بتدشين مهمته بزيارة للسعودية ولقاءه بكبار القادة وصناع القرار بالمملكة، والتي تصب جميعها نحو إقناع القيادة السعودية والشرعية اليمنية المقيمة في الرياض بضرورة القبول بمشروع مبادرة السلام التي يتبناها المبعوث الخاص للأمين العامم للامم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث. وطمأن المبعوث الأمريكي، الحكومة اليمنية إزاء دعم الولاياتالمتحدة للحكومة الشرعية وكذلك لحلفائها السعوديين تجاه الاعتداءات الحوثية. وقال ليندر كينغ عند لقائه الرئيس اليمني نهاية الاسبوع المنصرم «نتفق مع وصفكم للدور السلبي لإيران في اليمن والذي لم ينتج عنه إلا مزيد من التوتر والصراع وعدم الاستقرار ومع ذلك نعمل على احلال السلام للتوصل إلى اتفاق دائم لإيقاف الحرب بالتعاون مع شركائنا جميعاً بما يحفظ وحدة اليمن وأمنه واستقراره وبالتعاون مع جهود مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن». ونسبت وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» النسخة الحكومية إلى الرئيس هادي قوله أثناء لقاء المبعوث الأمريكي «للأسف لم تلتزم ميليشيا الحوثي بالسلام ومرجعياته في مختلف المحطات وآخرها اتفاق ستوكهولم الذي لم تعيره أو تنفذ بنوده بل تمادت في تهديداتها لاستهداف الأبرياء وحصار محافظة مأرب، مستخدمة الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيرة والاعتداء على المدنيين والنازحين بمحافظة مأرب، وكذا الاعتداء على الأعيان المدنية في المملكة العربية السعودية». وقال هادي «نشعر ان الإدارة الأمريكية الجديدة أكثر خبرة باليمن وشؤونها من خلال اشرافهم على التدوير السلمي للسلطة في اليمن والتي على ضوئها تمت المبادرة الخليجية بالتعاون مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وما أسفرت عنه تلك الجهود من إجراء حوار وطني شامل وصولاً إلى إعداد مسودة دستور اليمن الجديد بمشاركة مختلف مكونات وشرائح واطياف المجتمع اليمني». ووفقا للعديد من المحللين السياسيين تعد هذه المتغيرات والتحركات الدبلوماسية الغربية وفي مقدمتها الأمريكية والأوروبية خلال الأيام الماضية مؤشرا قويا على النوايا الراهنة نحو العمل المتسارع على وقف الحرب في اليمن خلال الفترة المقبلة التي قد تقصر أو تطول، وفقا لمعطيات ومستجدات الواقع، والذي أصبح مطلبا ملحا للأطراف الخارجية قبل مطالب اليمنيين الذين يكتوون بنيران هذه الحرب المدمرة، غير أن اليمنيين يرغبون في إخماد نار الحرب للأبد من خلال معالجة جذور أسبابها وليس مجرد تهدئتها وترحيل معاركها لدورات عنف قادمة تطال الأجيال القادمة.