المواقف القومية تجاه القضايا العربية الملحة في الوطن العربي كانت محطة بارزة من محطات "العمل العربي المشترك" في الجنوب إبان المد التحرري من الاستعمار الغربي في البلاد العربية و ما اعقبها من مراحل "الصراع العربي الإسرائيلي" .. وتجسدت تلك المواقف القومية في مشاركة العديد من الكتائب العسكرية لجيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية و "القوات الشعبية" للدفاع عن القضايا و الحقوق العربية في أكثر من بلد عربي . وفي "سفر اصحاحنا الحادي و الثلاثون" سوف نوجه بوصلة مقاربتنا النقدية لكشف ملابسات و تفاصيل تلك المواقف السياسية القومية للنظام السياسي في الجنوب و حقيقة ما قدمته لتلك القضايا و الملفات العربية من خلال عرض و تحليل و نقد ظروف تلك المواقف و المشاركات للقوات الجنوبية و هل اسهمت مشاركاتها و اسهاماتها في تكامل مسيرة العمل العربي المشترك في ذلك الوقت و هل أثرت تلك المواقف على الشأن الداخلي الوطني . ويجب ان نضع في اعتبارنا ان عدن عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كانت نقطة محورية لمختلف قوى التحرر العربية و للقوى العربية المعارضة فيما بعد .. و على رأس تلك القوى "القوى الفلسطينية" و قيادات و كوادر "الحزب الشيوعي العراقي" و "الحزب الشيوعي اللبناني" و "الناصريين العراقيين" و "المعارضة العمانية" و لقوى و معارضات سياسية عربية أخرى و قدمت عدن كل الدعم لتلك القوى و الحركات السياسية العربية سياسيا و ماليا و عسكريا . ومهما اختلفنا واوغلنا في معارضة السياسات الخاطئة للنظام السياسي في اغلب مراحله على مستوى الداخل الجنوبي فإننا لا يمكن ان نتجاهل مواقفه القومية من القضية الفلسطينية و مواقفه الداعمة للبنان ووقوفه إلى جانبه و بالتحديد عند اجتياح الجيش الإسرائيلي للعاصمة اللبنانيةبيروت عام"1982" و موقفه الثابت و المشرف مع فصائل المقاومة الفلسطينية المنفية من لبنان عقب الاجتياح الاسرائيلي و الدعم السياسي و العسكري اللا محدود للأخوة الفلسطينيين و استضافتهم و فتح معسكرات التدريب لهم و تقديم كل التسهيلات و الإمكانيات تحت تصرف القادة الفلسطينيين . وليس هذا فحسب بل ان القيادة السياسية في الجنوب كانت أولى القيادات العربية المساهمة و بقوة في تأسيس جبهة "الصمود والتصدي" عقب انحراف مسار الصراع العربي مع الكيان الإسرائيلي و ذلك بعد قبول مصر خطة المبعوث الامريكي لسلام في المنطقة "هنري كيسنجر" و كانت حريصة على المشاركة الفاعلة في كل مؤتمراتها السياسية .. وعلى صعيد العمليات القتالية في اقطارعربية شقيقة كان للقوات الجنوبية سبق القتال مع اشقائهم الفلسطينيين في مخيمات اللجوء في لبنان ومناطق الجبل و البقاع اللبناني . وبعد قرار إيقاف اطلاق النار في لبنان كانت القوات الجنوبية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على رأس القوات الأممية لحفظ السلام في لبنان.. وعندما نشب النزاع الحدودي بين ليبيا و دولة تشاد استجابت القيادة السياسية في الجنوب و بشقيها المنتصر و المهزوم لنداء الأشقاء في ليبيا للدفاع عن الاراضي العربية الليبية الشقيقة وبتنسيق مع الرئيس الليبي الراحل "معمر القذافي" و بين قيادة قوات "الجيش الجنوبي" المتمركزة وقتها في الجمهورية العربية اليمنية و التي التحمت مع القوات الجنوبية المتوجهة من عدن إلى العاصمة الليبية طرابلس . و في تقديرنا و تقييمنا لتلك المواقف الداعمة لحركات التحرر و المعارضة العربية و المقاومة الفلسطينية على وجه الخصوص فباعتقادنا أنها أثرت تأثيرا بالغا بل وتسببت بتصدعات كان لها تأثيراتها و تداعياتها الكبيرة في انتكاسة العلاقات السياسية و الدبلوماسية الدولية "لليمن الديمقراطي" و نعتقد ان التزامات القيادة السياسية في الجنوب تجاه تلك الحركات المعارضة و الفصائل المسلحة الفلسطينية كان لها تأثير كبير في تدهور العلاقة الاستراتيجية مع الحليف الاستراتيجي لليمن الجنوبي "الاتحاد السوفيتي" . والأبعد من ذلك ان الروس قبيل و بعيد احداث "يناير1986" لم يخفوا معارضتهم و استيائهم الشديد من تمسك القيادة السياسية بالتزاماتها تجاه المقاومة الفلسطينية و لعل أحد أهم اسباب انفجار الوضع بين طرفي الصراع في يناير كان دعم الروس للطرف الذي كان يرى بانه مستعد للتخفيف من حدة التمسك بتلك الالتزامات و المواقف . وهو الأمر الذي يفسر التقاضي الروسي تجاه تسارع و تيره اسباب الصراع و خروجها عن السيطرة و التي فجرت الموقف في يناير و بل ان موسكو كانت حريصة على توفير اسباب نجاح و صول "مؤسس الاشتراكية" في جنوباليمن و الذي تبنته و صنعته على عينها و ارادت بعودته ان تحجم الدور السياسي "للتيار المعارض" لتوجهاتها في عدن . وللتاريخ فأننا عندما نقارن المواقف القومية الداعمة للقضايا و الحقوق العربية للقيادة السياسية في الجنوب و التي لم تتوقف و في مختلف المراحل من الناحية الاخلاقية و الوطنية نجد المواقف العربية المماثلة لها لا تعدوا شيئا امامها و لم تجرؤ دولة و لا قيادة سياسية عربية على ما اقدم عليه الرفاق في اليمن الديمقراطي و يكفي ان تلك المواقف الصلبة و المبدئية الثابتة لرؤساء الجنوب و قياداته و من وجهة نظرنا و اجتهادنا في البحث و التحقيق كانت سببا و جيها في اندلاع الحرب الأهلية الجنوبية في "كانون الأول86" . ولعل ما يثبت صحة تقديرنا و تقييمنا و نحن نحاكم تلك المواقف و المبادئ هو ما جاء في الكثير من الشهادات التاريخية للكثير من السياسيين العرب في مذكراتهم السياسية و ابرزهم قادة الفصائل الفلسطينية ولعل آخر تلك الشهادات التاريخية مقابلة القيادي في حركة المقاومة الفلسطينية فتح "عباس زكي" مع قناة "الميادين" و الذي قال انه عندما اعترض الروس على تزويد القيادة السياسية في جنوباليمن للمقاومة الفلسطينية بصواريخ روسية نوعية من مخازن جيش اليمنالجنوبي وارسلوها للفلسطينيين غضب الروس وضغطوا بكل الوسائل على الرئيس اليمني الأسبق "علي ناصر محمد" في سبيل تخليه عن دعم المقاومة الفلسطينية . ويقول عباس زكي ان الرئيس علي ناصر قال للروس لا يمكننا ان نتخلى عن الفلسطينيين و سنواصل دعمهم بشتى الوسائل و الطرق و لا يمكننا التراجع عن التزاماتنا تجاه القضية الفلسطينية و الشعب الفلسطيني .