لم تتعرض آلة موسيقية للافتراء في مجتمعنا مثل ما تعرض ويتعرض له الطبل وقارعه. هذه الآلة القديمة قدم الإنسان والعريقة عراقة الثقافات والحضارات الإنسانية، والتي واكب تطورها مراحل تطور البشر على هذا الكوكب، تنتظر منا إنصافاً ، نأمل ألاً يطول انتظاره. إنُ الطبل يُعد من أقدم (إن لم يكن أقدم) وسائل الاتصال (اللاسلكية والمشفرة) التي استخدمها الإنسان للتواصل بين تجمعاته، فقد كانت الرسائل المتبادلة تُنقل من خلال الأصوات الصادرة عن هذه الآلة، وتُترجم على أساس عدد القرعات والنغمات التي تنتج عنها.
كما أن أولى طقوس العبادة والتقرب إلى الخالق، ورقصات الفرح بهطول المطر وحلول مواسم الحصاد، كانت تُمارس أيضاً على إيقاع نغماتها .. إنها كانت وما تزال الآلة الموسيقية الأولى للرقص المعبر عن فرحة ونشوة الإنسان.
وكان الطبل، عندما يختلف بني البشر (و يحن حنينهم )، يتحول إلى آلة رهيبة ترافق المقاتلين، تثير حماسهم، وتقوي عزائمهم. إذ أنه بقرع طبول الحرب فإن ذلك كان يُعد نذيراً بحرب وشيكة الوقوع.
وفي الموسيقى، عند صياغة المعزوفات والألحان الغنائية، فإن الطبلة تلعب دوراً مهماً ومتميزاً في ضبط الزمن لها والذي لا يستقيم إلاّ على إيقاع هذه الآلة التي شهدت تطوراً كبيراً في الشكل والأداء.
إلاّ أنه، وتحت تأثير التطورات السياسية الجارية في مجتمعنا، ظهرت ألفاظ (أو مصطلحات شعبية) جديدة مثل"طبال" و"مطبلين" يُنعت بها أولئك الذين خرجوا عن الإجماع في قضية (سياسية) تم تبنيها من قبلهم وبمشاركة آخرين، ثم مالوا (أو انحازوا) إلى الطرف الآخر المضاد ( في العادة السلطة، أو أنهم صاروا يعملون في السر لصالحها)، فأصبحوا بذلك يشكلون خطراً على من كانوا معهم من الثابتين على مواقفهم.
و اليوم، وبعد أن كثُرت الطبول وتعددت أشكالها وألوانها، وكذلك بعد أن كثُر المطبّلون وتعددت، أيضاً، أشكالهم وألوانهم. ثم، وبعد هذه الإطلالة السريعة والمقتضبة على هذه الآلة وأهميتها، تُرى هل نتوقع أن يأتي ذلك اليوم (في مجتمعنا) الذي يُردُّ فيه الاعتبار للطبل ويعود فيه المطبلون إلى رشدهم؟؟ ".