في 31 يناير 2013م كتبتُ مقالاً بعنوان (نظرة جديدة للربيع العربي في ضوء مراجعة السياسات الأمريكية) تم نشرهُ في الصحيفة الالكترونية (عدن الغد)، شرحت فيه سياسات الولاياتالمتحدةالأمريكية في إداراتها المتعاقبة في حربها ضد الإرهاب وأوضحتُ ان وصول باراك اوباما إلى البيت الأبيض خلفاً لبوش الابن كان بمثابة التحول الجذري في السياسات الأمريكية في تعاملها مع الإرهاب حيث وانه وعقب وصوله وجه في أولى خطاباته انتقاداً لاذعاً لتلك السياسات واصفاً إياها بالخاطئة والتقليدية . وأوضحتُ انه وبعد ان أدركت إدارة الرئيس اوباما ان السياسات الغربية تجاه الشرق الأوسط هي السبب الأساسي في خروج غول الإرهاب من قفصه ، تلك السياسات المتمثلة في دعم أمريكا للأنظمة الفاسدة في العالم العربي الأمر الذي أدى إلى تحول غبن الشعوب من أنظمتها الفاسدة صوب أمريكا والغرب الداعم الأساسي لهذه الأنظمة علي حساب الشعوب. وبعد ان أدركت الإدارة الأمريكية الاوبامية انه وبسبب سياسات إسلافها الخاطئة تمكن الإرهاب من إلحاق الأذى بمصالحها وتكبيدها خسائر مادية ومالية سواء في أوطانها أو خارج أوطانها كانت احد الأسباب التي أوصلتها إلى أزمات مالية عصفت بأنظمتها ألاقتصادية ، كما أدركت ان الإرهاب تمكن من الحصول على مساندة شعبية(حاضنة شعبية) أنتجتها السياسات الأمريكية الداعمة لأنظمة الحكم الفاسدة في الوطن العربي التي كانت تعتبرها يدها الطولي التي تستخدمها في السيطرة على القرار العربي ونهب الثروات العربية إلا ان ما تقدمه تلك الأنظمة أصبح غير ذي نفع مقارنة بما تدفعه لقاء ذلك ، الأمر الذي حدي بها إلى التفكير بإستراتيجية تمكنها من ضرب تلك الحاضنة الثقافية والاجتماعية التي ينضوي ورائها شبح الإرهاب وهذا لن يأتي إلا بانتهاج سياسة مغايرة لسالفتها فعمدت على توظيف دوائرها الإستخباراتية والإعلامية بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي في تحريض الشعوب ضد أولئك الحكام الفاسدين وهي تدرك تماماً ان البديل لتلك الأنظمة سيكون من بين التيارات الإسلامية وتلك هي كذبة ثورات الربيع العربي التي هدفت الإدارة الأمريكية من خلالها إلى الأتي:
التخلص من الأنظمة العربية ورموزها بعد ان أصبح ضررها اكبر من نفعها وإيصال التيارات الإسلامية إلى دفة الحكم كبديل مرحلي لتلك الأنظمة مع العلم ان سعي الغرب وامريكاء لتنفيذ ذلك الهدف لم يكن حباً في التيارات الإسلامية أو رغبة غربية في إشاعة الديمقراطية وإيمانا بها كنظام اجتماعي وسياسي كما يتصوره البعض بل ان ذلك يمثل سياسة أمريكا والغرب الجديدة في حربهم ضد الإسلام السياسي الذي يعتبر من وجهة نظرهم (الحاضنة الثقافية والاجتماعية للإرهاب) ، وعلى اعتبار ان وصول تلك التيارات الإسلامية إلى دفة الحكم في بلدان الربيع لن يكن على طبق من ذهب بل سيخلف وراءهُ أوضاع اقتصادية منهارة أكثر مما كانت عليه قبل الثورات ضف إلى ذلك الخبرة الركيكة لتلك الحركات الإسلامية في إدارة شؤون الدولة والحصار الغربي المتوقع والغير معلن كل ذلك كفيل في دحض كل أسباب النجاح وكفيلة بتحويل تلك الدول إلى دول فاشلة اقتصادياً تعاني عدم الاستقرار الأمني والسياسي وعلى المدى الطويل سوف تتمكن الولاياتالمتحدة من النيل من شعبية الإسلاميين بين شعوبها كأهم حاضن للإرهاب لتدرك تلك الشعوب ان الإسلام دين فقط وليس دين ودولة و تدرك الشعوب ان الخيار الأمثل هم اللبراليون حلفاء الغرب وهكذا يبدأ الضيق التدريجي للإطار الثقافي والاجتماعي الذي يحتضن ما يسمى بالإرهاب. (ماحصل في مصر دليل دامغ على صحة ذلك، فبعد ان كان الإخوان أبان الثورة وبعدها ينعمون بشعبية تفوق شعبية أي فصيل سياسي آخر تضاءلت تلك الشعبية بعد وصولهم إلى دفة الحكم بسبب فشلهم في إدارة شؤون الدولة للأسباب التي تم ذكرها وتحولت معها مصر إلى دولة فاشلة تحتل المركز 34 بين قائمة الدول الأكثر فشلاً في العالم بعد ان كانت الدولة الأكثر جذباً للاستثمارات في الشرق الأوسط...الخ الأمر الذي أدى إلى خروج مصر عن بكرة أبيها لتطالب بإسقاط حكم الإخوان.
لان ثورات الربيع العربي ستخلف وراءها دمار اقتصادي وسياسي واجتماعي وضعف القوة العسكرية لدول الربيع يعتبر بحد ذاته هدف استراتيجي يهدف إلى مايهدف إليه من تعزيز امن إسرائيل كجزء من الهموم إلي تؤرق لأجلها الإدارة الأمريكية.
كما ان ما يحصل في سورية ليس ببعيد عن هذا التحليل فبعد ان كان الهدف من الثورة السورية إجراء تعديلات في نظام الحكم قامت بها قوى سياسية مختلفة تدخل الغرب بتحويلها إلى صراع مذهبي بين السنة والشيعة ومن ثم قام بتقديم الدعم للجيش السوري الحر الذي أصبح مصبوغ بصبغة التيارات الإسلامية تمثل ذلك الدعم بتقديم السلاح وإرسال المجاهدين من كل بقاع العالم إلى سورية لأجل هدفين أولهما إحداث نوع من تكافؤ القوى بين المتحاربين الأمر الذي سينجم من وراء ذلك التكافؤ تدمير القوة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية السورية بعبارة أخرى حرب بالوكالة (بدلاً من إسرائيل)، وثانيهما يعتبر جزء من إستراتيجية أمريكية في محاربة الإرهاب فامريكاء بدعمها للجيش السوري الحر لا يعني أنها ترغب في إيصالهم إلى دفة الحكم لان ذلك يتناقض وإستراتيجية امن إسرائيل لذا فالهدف هو تحويل سورية إلى مصيدة للإرهابيين فبعد ان دعمتهم في السلاح ووضعتهم في مواجهة مع الجيش النظامي ستتخلى عنهم وبهذا تكون قد تمكنت من رمي عصفورين بحجر واحدة .
وبهذا تكون الإدارة الاوبامية قد نجحت في تنفيذ إستراتيجيتها ضد الإسلام السياسي وبالتالي في حربها ضد الإرهاب أفضل من سالفتها وبهذا نتوقع ان الإدارة الأمريكية في المرحلة القادمة ستنتهج سياسة محاربة التيارات الإسلامية في الشرق الأوسط فبعد انتهاجها سياسة التقارب الاضطراري مع تلك التيارات ونجحت في تعريتهم وفضحهم ولقنت العرب درساً مفاده ان أولئك المتأسلمين لا يحملون مشروع حضاري ينشد الدولة المدنية بل أنهم يحملون مشروع تدميري، كما نتوقع أنها ستعمل على دعم حلفائها الليبراليين فبعد ان تمكنت من تنفيذ تلك الإستراتيجية في مصر التي تعتبر دولة محورية نتوقع ان تنسحب تلك السياسة على جميع بلدان الربيع العربي .(أدعو القارئ لقراءة المقال السابق في صفحة الكاتب الموضوع تحت عنوان(نظرة جديدة للربيع العربي في ضوء مراجعة السياسات الأمريكية) ليغني بمعلومات أكثر تمكنه من فهم التحليل .